للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فكأنه لِمَا وُقِع فيها الخداع خُدِعتْ هي في نفسها، وروي: "خُدَعة" بضم الخاء، وفتح الدال؛ أي: هي التي تفعل ذلك فتخدع أهلها، على ما تقدم، وفُعْلة: تأتي بمعنى الفاعل، كضُحْكة، وهُزْأة، ولُمْزة، للذي يفعل ذلك، والله تعالى أعلم، انتهى (١).

وقال ابن العربيّ: الخديعة في الحرب تكون بالتورية، وتكون بالكمين، وتكون بخُلف الوعد، وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرَّم، والكذب حرام بالإجماع، جائز في مواطن بالإجماع، أصلها الحرب، أَذِنَ الله فيه، وفي أمثاله؛ رِفْقًا بالعباد؛ لِضَعفهم، وليس للعقل في تحريمه، ولا في تحليله أثر، إنما هو إلى الشرع، ولو كان تحريم الكذب كما يقوله المبتدعون عقلًا، ويكون التحريم صفةً نفسيةً، كما يزعمون ما انقلب حلالًا أبدًا، والمسألة ليست معقولةً، فتستحقَّ جوابًا، وخفي هذا على علمائنا. انتهى (٢).

وقال الطبريّ: إنما يجوز في المعاريض دون حقيقة الكذب، فإنه لا يحلّ، وقال النوويّ: الظاهر إباحة حقيقة الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل.

وقال بعض أهل السير: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك يوم الأحزاب لمّا بعث نعيم بن مسعود أن يخذّل بين قريش، وغطفان، ويهود، ومعناه: أن المماكرة في الحرب أنفع من المكاثرة والإقدام على غير علم، ومنه قيل: نفاذ الرأي في الحرب أنفع من الطعن والضرب.

وقال المهلَّب: الخداع في الحرب جائز، كيف ما يمكن، إلا بالأيمان، والعهود، والتصريح بالأيمان، فلا يحل شيء من ذلك.

وقال الطبريّ: وإنما يجوز من الكذب في الحروب ما يجوز من غيرها من التعريض، مما يُنحى به نحو الصدق، مما يَحتمل المعنى الذي فيه الخديعة والغدر والألغاز، لا القصد إلى الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه؛ لأن ذلك حرام، قال المهلّب: مثل أن يقول لمبارز له: حِزَام سرجك قد انحلّ؛ ليشغله عن الاحتراس منه، فيجد فُرصة في ضربه، وهو يريد أن حزام سرجه قد


(١) "المفهم" ٣/ ٥٢١ - ٥٢٢.
(٢) "عارضة الأحوذيّ" ٧/ ١٧١ - ١٧٢.