للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انحلّ فيما مضى من الزمان، أو يخبره بخبر يقطعه من موت أميره، وهو يريد موت المنام، أو الدِّين، ومن ذلك ما روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما تقدّم عن النووي من أن الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الحرب، إذا لم يمكن التعريض والتورية، هو الأظهر؛ عملًا بظواهر النصوص، وهي كثيرة:

فمنها: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأُوَل اللاتي بايعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا"، قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخَّص في شيء مما يقول الناس؛ كذِبٌ إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".

ومنها: ما أخرجه الترمذيّ وحسّنه، من حديث أسماء بنت يزيد - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يُحدِّث الرجل امرأته؛ ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس".

ومن ذلك: ما جاء في قصّة قتل كعب بن الأشرف من قول محمد بن مسلمة حين أمره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقتله قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ائذن لي فأقول، قال: "قل"، فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحًا، وتلويحًا.

ومنها: ما أخرجه أحمد، وابن حبان، من حديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائيّ، وصححه الحاكم، في استئذانه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقول عنه ما شاء؛ لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة، وأذن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين، وغير ذلك مما هو مشهور في ذلك (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقن رحمه الله ١٨/ ٢٢٤.
(٢) راجع: "الفتح" ٧/ ٢٨٤، كتاب "الجهاد" رقم (٣٠٣١).