للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العراقي رحمه الله: وليس في هذا الحديث ذكر الكذب، فإن أُريد المعاريض والتورية فلا تخلو الخديعة من ذلك، وإن أريد الكذب الصريح، فقد تخلو الخديعة عنه، فمن المعاريض ما في "سنن أبي داود" عن كعب بن مالك: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها، وكان يقول: "الحرب خدعة"، وما في "سنن النسائيّ" عن مسروق، قال: سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول في شيء: صدق الله ورسوله، قلت: هذا شيء سمعته، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحرب خدعة"، وقد ورد الترخيص في الكذب في الحرب، رواه الأئمة الخمسة، من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أمه أم كلثوم، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس بالكاذب من أصلح بين الناس … " الحديث، وفيه: "ولم أسمعه يرخِّص في شيء مما يقول الناس: إنه كذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح … " الحديث، وروى الترمذيّ من حديث أسماء بنت يزيد، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس وقال محمد بن جرير الطبريّ: إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض، دون حقيقة الكذب، فإنه لا يحل، وقال النوويّ: الظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل، والله أعلم. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى استعمال الرأي في الحروب، ولا شك في احتياج المحارب إلى الرأي والشجاعة، وإن احتياجه إلى الرأي أشدّ من احتياجه إلى الشجاعة، ولهذا اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا على ما يشير إليه فهو كقوله: "الحج عرفة" (٢)، "والندم توبة" (٣)، وقال الشاعر [من الكامل]:

الرَّأيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشَّجْعَانِ … هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَل الثانِي

فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً … بَلَغَتْ مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ (٤)


(١) "طرح التثريب" ٧/ ٢١٥.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أحمد، وأصحاب "السنن".
(٣) حديث صحيح، أخرجه أحمد، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان.
(٤) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٧/ ٢١٥ - ٢١٦.