للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو قول الشافعيّ، والكوفيين، وقالوا: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها، وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت، إلا إن باشرت القتل، وقصدت إليه، قال: وكذلك الصبيّ المراهق.

قال: ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وابن حبان، من حديث رِيَاح بن الربيع - وهو بكسر الراء، والتحتانية - التميميّ قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فرأى الناس مجتمعين، فرأى امرأة مقتولةً، فقال: ما كانت هذه لتقاتِل".

فإن مفهومه أنها لو قاتلت لَقُتلت، واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلِضَعفهنّ، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولمَا في استبقائهم جميعًا من الانتفاع بهم، إما بالرقّ، أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به.

وحَكَى الحازمي قولًا بجواز قتل النساء، والصبيان، على ظاهر حديث الصعب - رضي الله عنه -، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي، وهو غريب. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله: جعل الزهري حديث الصعب بن جثّامة منسوخًا بنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء، والولدان، وغيرُه يجعله مُحْكَمًا غير منسوخ، ولكنه مخصو بالغارة، وترك القصد إلى قتلهم، فيكون النهي حينئذ يتوجه إلى من قَصَد قَتْلَهم، وأما من قَصَد قتل آبائهم على ما أُمر به من ذلك فأصابهم وهؤلاء يريدهم، فليس ممن توجَّه إليه الخطاب بالنهي عن قتلهم على مثل تلك الحال، ومن جهة النظر لا يجب أن يتوجه النهي إلا إلى القاصد؛ لأن الفاعل لا يستحقّ اسم الفعل حقيقة دون مجاز إلا بالقصد، والنية، والإرادة، ألا ترى أنه لو وجب عليه فعل شيء ففعله، وهو لا يريده، ولا ينويه، ولا يقصده، ولا يذكره، هل كان ذلك يجزي عنه من فعله، أو يسمى فاعلًا له؟ وهذا أصل جسيم في الفقه، فافهمه. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (٢)، وهو تحقيق مفيدٌ.


(١) "الفتح" ٧/ ٢٦٧ - ٢٦٨، كتاب "الجهاد" رقم (٣٠١٢).
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٦/ ١٤٥.