للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخطابه للشمس يَحْتَمِل أن يكون على حقيقته، وأن الله تعالى خلق فيها تمييزًا، وإدراكًا كما ثبت سجودها تحت العرش، واستئذانها من أين تطلع؟.

ويَحْتَمِل أن يكون ذلك على سبيل استحضاره في النفس؛ لِمَا تقرر أنه لا يمكن تحولها عن عادتها، إلا بخرق العادة، وهو نحو قول الشاعر:

شَكَى إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السَّرَى

ومن ثم قال: "اللهم احبسها"، ويؤيد الاحتمال الثاني أن في رواية سعيد بن المسيِّب: "فقال: اللهم إنها مأمورة، وإني مأمور، فاحبسها عليّ حتى تقضي بيني وبينهم، فحبسها الله عليه". انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله للشمس: "أنت مأمورة"؛ أي: مسخرة بأمر الله تعالى، وهو كذلك أيضًا، وجميع الموجودات، غير أن أمر الجمادات أمر تسخير وتكوين، وأمر العقلاء أمر تكليف وتكوين، وحَبْس الشمس على هذا النبيّ من أعظم معجزاته، وأخص كراماته، وقد اشتَهَرَ أن الذي حُبست عليه الشمس من الأنبياء هو: يوشع بن نون، وقد رُوي أن مثل هذه الآية كانت لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في موطنين:

أحدهما: في حفر الخندق حين شُغِلوا عن صلاة العصر، حتى غابت الشمس، فردّها الله تعالى عليه حتى صلَّى العصر، ذكر ذلك الطحاويّ، وقال: إن رواته كلهم ثقات.

والثانية: صبيحة الإسراء، حين انتظروا العير التي أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بوصولها مع شروق الشمس، ذكره يونس بن بكير في زيادته في سِيَر ابن إسحاق. انتهى (٢).

(اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا) ولفظ البخاريّ: "اللهمّ احبسها علينا"، وقوله: "شيئًا" منصوب نصبَ المصدر؛ أي: قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد، قال القاضي عياض: اختُلِف في حبس الشمس هنا، فقيل: رُدّت على أدراجها، وقيل: وقفت، وقيل: أُبطئ بحركتها، وكل ذلك محتمل، والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره، ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرماديّ أن ذلك كان في


(١) "الفتح" ٧/ ٣٨٤.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٣٢ - ٥٣٣.