للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عشر بعيرًا، بيّن ذلك ونَصّ عليه أبو داود من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن نافع، عن ابن عمر، ولهذا قال مالك، وعامة الفقهاء: إن السَّرية إذا خرجت من الجيش فما غنمته كان مقسومًا بينها وبين الجيش، ثم إن رأى الإمام أن ينفّلهم من الخُمس جاز عند مالك، واستُحبّ عند غيره، وذهب الأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد: إلى أن النفل من جملة الغنيمة بعد إخراج الخمس، وما بقي للجيش، وحديث ابن عمر يردّ على هؤلاء، فإنه قال فيه: فبلغت سُهماننا اثني عشر بعيرًا، اثني عشر بعيرًا، ونفّلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بعيرًا، وظاهر مساق هذه الرواية: أن الذي قسَّم بينهم، ونفّلهم، هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين رجعوا إليه، وفي رواية مالك، عن نافع: "ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا"، ولم يَذكر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن رواية الليث، عن نافع: "ونُفِّلوا سوى ذلك بعيرًا بعيرًا، فلم يغيّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وفي كتاب أبي داود من حديث محمد بن إسحاق، عن نافع، قال: "فأصبنا نَعَمًا كثيرًا، فنفّلنا أميرنا بعيرًا بعيرًا، ثم قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقسم بيننا غنيمتنا، فأصاب كل رجلٍ منا اثنا عشر بعيرًا، اثنا عشر بعيرًا، وما حاسَبَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي أعطانا صاحبنا، ولا عاب عليه ما صنع، فكان لكل رجل ثلاثة عشر بعيرًا بنفله".

قال القرطبيّ رَحمه اللهُ: وهذا اضطراب في حديث ابن عمر، على أنه يمكن أن تُحمل رواية من رفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه لمّا بلغه ذلك أجازه، وسوَّغه، والله تعالى أعلم.

أو تكون رواية عبيد الله، عن نافع في الرَّفع وهمًا، وبمقتضى رواية ابن إسحاق عن نافع قال الأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد كما قدمناه آنفًا من مذهبهم، لكن محمد بن إسحاق كذّبه مالك، وضعّفه غيره. أنتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع: ما قاله القرطبيّ في محمد بن إسحاق غير مقبول، فإن الجمهور على أنه ثقةٌ، وأما ما رُوي من تكذيب مالك له، فقد أجاب عنه العلماء بأنه من قبيل ما يصدر بين المتعاصرين، فلا يُقبل إلا ببيّنة واضحة،


(١) "المفهم" ٣/ ٥٣٧ - ٥٣٨.