الإمام أبو العباس القرطبيّ في "المفهم"، فنَقَل ما تقدم عن أئمة العربية، ثم قال: وقع في رواية العذريّ والهوزنيّ في مسلم: "لاها الله ذا" بغير ألف، ولا تنوين، وهو الذي جزم به من ذكرناه، قال: والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب، وليست بخطأ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى، و"ها" هي التي عُوِّض بها عن واو القسم، وذلك أن العرب تقول في القسم: آلله لأفعلنّ بمد الهمزة، وبقصرها، فكأنهم عَوَّضوا عن الهمزة "ها"، فقالوا: ها الله؛ لِتَقارب مخرجيهما، وكذلك قالوا بالمدّ، والقصر، وتحقيقه أن الذي مَدَّ مع الهاء، كأنه نطق بهمزتين، أَبْدَل من إحداهما ألفًا استثقالًا لاجتماعهما، كما تقول: آلله، والذي قَصَر كأنه نطق بهمزة واحدة، كما تقول: الله، وأما "إذا" فهي بلا شك حرف جواب وتعليل، وهي مثل التي وقعت في قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد سئل عن بيع الرُّطَب بالتمر، فقال:"أينقص الرُّطَب إذا جَفّ؟ "، قالوا: نعم، قال:"فلا إذًا"، فلو قال: فلا والله إذًا، لكان مساويًا لِمَا وقع هنا، وهو قوله: لاها الله إذًا من كل وجه، لكنه لم يحتج هناك إلى القسم، فتركه، قال: فقد وضح تقرير الكلام، ومناسبته، واستقامته معنًى ووضعًا، من غير حاجة إلى تكلف بعيد، يخرج عن البلاغة، ولا سيما من ارتكب أبعد، وأفسد، فجعل "ها" للتنبيه، و"ذا" للإشارة، وفصل بينهما بالمقسَم به، قال: وليس هذا قياسًا فيطّرد، ولا فصيحًا، فيُحمَل عليه الكلام النبويّ، ولا مرويًّا برواية ثابتة، قال: وما وُجد عند العذريّ وغيره فإصلاحُ من اغتر بما حُكي عن أهل العربية، والحقّ أحقّ أن يتبع.
وقال بعض من أدركناه، وهو أبو جعفر الغرناطيّ، نزيل حَلَب في حاشية نسخته من البخاريّ: استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المَخْلَص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف، فقالوا: والصواب: "لاها الله ذا" باسم الإشارة، قال: ويا عجبًا من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة، ويطلبون لها تأويلًا، جوابهم أن "ها الله" لا يستلزم اسم الإشارة، كما قال ابن مالك، وأما جعل "لا يعمد" جواب "فأرضه"، فهو سبب الغلط، وليس بصحيح ممن زعمه، وإنما هو جواب شَرْط مقدَّر، يدل عليه:"صَدَق، فأرضه"، فكأن أبا بكر قال: إذًا صدق في أنه صاحب السلب، إذًا لا