ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أرأيت لو أني فرغت من صلاتي، فلم أَرْضَ كمالها، أفلا أعود لها؟ قال: بلى ها الله إذًا.
قال الحافظ: والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن "إذًا" حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال: إذًا والله أقول لك: نعم، وكذا في النفي، كأنه أجابه بقوله: إذًا والله لا نعطيك، إذًا والله لا أشترط، إذًا والله لا ألبس، وأُخّر حرف الجواب في الأمثلة كلها، وقد قال ابن جريج في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)} [النساء: ٥٣]: فلا يؤتون الناس إذًا، وجعل ذلك جوابًا عن عدم النصيب بها، مع أن الفعل مستقبَل، وذكر أبو موسى المديني في "المغيث" له في قوله تعالى: {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٧٦]: "إذًا" قيل: هو اسم بمعنى الحروف الناصبة، وقيل: أصله "إذا" الذي هو من ظروف الزمان، وإنما نُوِّن للفرق، ومعناه حينئذٍ؛ أي: إن أخرجوك من مكة، فحينئذٍ لا يلبثون خلفك إلا قليلًا.
وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه، فيكون التقدير: لا والله حينئذٍ، ثم أراد بيان السبب في ذلك، فقال:"لا يعمد … إلخ"، والله أعلم.
قال الحافظ: وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث، ووقفت على كلام الخطابيّ وَقَعَت عندي منه نَفْرة؛ للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة، خصوصًا ما في "الصحيحين"، فما زلت أتطلب الْمَخْلَص من ذلك إلى أن ظَفِرت بما ذكرته، فرأيت إثباته كله هنا، وبالله التوفق. انتهى (١).
(لَا يَعْمِدُ)؛ أي: لا يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل، كأنه أسد في الشجاعة، يقاتل عن دين الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فيأخذ حقّه، ويعطيكه بغير طيبة من نفسه، هكذا ضُبِط للأكثر بالتحتانية فيه، وفي "يُعطيك"، وضَبَطه النووي بالنون فيهما. (إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسُدِ الله، يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ) سبحانه وتعالى (وَعَنْ رَسُولهِ) - صلى الله عليه وسلم -؛ يعني: أنه يقاتل في سبيل الله؛ نصرةً لدين الله تعالى، وشريعة
(١) "الفتح" ٩/ ٤٤٠ - ٤٤٤، كتاب "المغازي" رقم (٤٣٢٢).