للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا مع أنه قد كان عدد من الصحابة نحو الأربعة عشر يُفتون في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعلم بهم، ويُقِرّهم، لكن لم يُسمع عن أحدٍ منهم أنه أفتى بحضرته ولا صدر عنه شيء مما صدر عن أبي بكر - رضي الله عنه - في هذه القصة. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: في هذا الحديث فضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في إفتائه بحضرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستدلاله لذلك، وتصديق النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (٢).

٣ - (ومنها): أن فيه منقبةً ظاهرةً لأبي قتادة - رضي الله عنه -، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - سمّاه أسدًا من أسد الله تعالى يقاتل عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصدّقه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذه منقبة جليلة من مناقبه - رضي الله عنه -.

٤ - (ومنها): أن السلب للقاتل؛ لأنه أضافه إليه، فقال: يعطيك سلبه.

٥ - (ومنها): أن فيه دليلًا أن لفظة: "لاها الله" تكون يمينًا، قال النوويّ: قال أصحابنا: إن نوى بها اليمين كانت يمينًا، وإلا فلا؛ لأنها ليست متعارفة في الأيمان.

٦ - (ومنها): ما قال النوويّ رحمه اللهُ: قوله: "له عليه بينة فله سلبه" فيه تصريح بالدلالة لمذهب الشافعيّ، والليث، ومن وافقهما من المالكية، وغيرهم أن السلب لا يُعْطَى إلا لمن له بيّنة بأنه قتله، ولا يُقبل قوله بغير بينة، وقال مالك، والأوزاعيّ: يعطى بقوله، بلا بينة، قالا: لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعطاه السلب في هذا الحديث بقول واحد، ولم يحلِّفه.

والجواب أن هذا محمول على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِم أنه القاتل بطريق من الطرق، وقد صَرَّح - صلى الله عليه وسلم - بالبينة، فلا تلغى، وقد يقول المالكيّ: هذا مفهوم، وليس هو بحجة عنده، ويجاب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعَى … " الحديث، فهذا الذي قدّمناه هو المعتمَد في دليل الشافعيّ رحمه اللهُ، وأما ما يحتج به بعضهم أن أبا قتادة إنما يستحق السلب بإقرار من هو في يده، فضعيف؛ لأن الإقرار إنما ينفع إذا كان المال منسوبًا إلى من هو في يده، فيؤخذ بإقراره، والمال هنا منسوب إلى جميع الجيش، ولا يُقبل إقرار بعضهم


(١) "المفهم" ٣/ ٥٤٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ٦٠.