للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السلب مطلقًا، وإن لم يقل الإمام: من قتل قتيلًا إلخ؛ لأنه لو لم يكن ذلك معروفًا لَمَا طلب ذلك القاتل السلب، ولكان سبب مَنْع خالد له عدم مشروعيّته، لا استكثاره، وكذا إنكار عوف على خالد، وكذا تقريره - صلى الله عليه وسلم - للقاتل على طلبه، واستفساره مَنْع خالد، كلّ ذلك دليل واضح على ما قلناه، وأوضح منه ما يأتي في الرواية التالية، من تصريح عوف بذلك، وموافقة خالد له عليه، حيث قال عوف: "فقلت: يا خالد، أما علِمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب للقاتل؛ قال: بلى، ولكنّي استكثرته"، فكلّهم أجمعوا على أن السلب للقاتل بقتله، وأقرّهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى وليّ التوفيق.

(قَالَ) خالد - رضي الله عنه - (اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ)؛ أي: إنما منعته إياه مع أني أعلم أن السلب للقاتل؛ لاستكثاري إياه، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك ("ادْفَعْهُ إِلَيْهِ") قال القرطبيّ - رحمه الله -: هو أمر على جهة الإصلاح، ورَفْع التنازع، فلمّا صدر من عوف ما يقتضي من منصب الإمارة أمضى ما رآه الأمير؛ لأنه لم يكن للقاتل فيه حقّ، وهذا نحو مما فعله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بماء الزبير، حيث نازعه الأنصاريّ عليه في السقي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اسق يا زبير! وأرسل الماء إلى جارك"، فأغضب الأنصاريُّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال للزبير: "اسق يا زبير! وأمسك الماء حتى يبلغ الجُدُر"، فاستوفى للزبير حقّه.

قال: وهذا الحديث من أصعب الأحاديث على القائل بأن السَّلب يستحقّه القاتل بنفس القتل. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: ليس في هذا الحديث ما يصعب على القائلين باستحقاق القاتل السلب بنفس القتل، بل من أوضح الأدلّة، كما لا يخفى على من تأمّله، والله تعالى أعلم.

(فَمَرَّ خَالِدٌ)؛ أي: ابن الوليد (بِعَوْفٍ)؛ أي: ابن مالك الأشجعيّ (فَجَرَّ) عوف (بِرِدَائِهِ)؛ أي: برداء خالد (ثُمَّ قَالَ) عوف لخالد (هَلْ أنجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟)؛ يعني: أنه كان ذَكَر له حين منع القاتل السلب أنه سيشكوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قدِما شكاه إليه، فأمر - صلى الله عليه وسلم - بدفع السلب


(١) "المفهم" ٣/ ٥٥١.