للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للقاتل، فعند ذلك تمّ ما قاله عوف لخالد في حال الغزو من الشكاية إليه - صلى الله عليه وسلم -.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقول عوف لخالد: "هل أنجزت لك ما ذكرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ " كلام فيه نوع من التقصير، والتهكم بمنصب الإمارة، والإزراء عليه، ولذلك غضب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك حين سمعه، ثم أمضى ما فعله خالد بقوله: "لا تعطه يا خالد"، ونوَّه به، وعظّم حرمته بقوله: "هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ "، وهذا يدلّ دلالة واضحة على أن السَّلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل، بل برأي الإمام ونظره، كما قدَّمناه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قول القرطبيّ: يدلّ دلالة واضحة على أن السلب لا يستحقّه … إلخ فيه نظر لا يخفى، بل دلالة الحديث على استحقاق القاتل السلب هو الأظهر، والأوضح، على ما بيّنا وجهه، وأما منعه - صلى الله عليه وسلم - السلب في هذه الواقعة فإنما هو لأمر طارئ اقتضى ذلك، من معاقبة من أساء إلى أميره، ولعلّ ذلك القاتل أيضًا شارك في إغلاظ القول لخالد مع عوف - رضي الله عنه -، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَسَمِعَهُ)؛ أي: كلامَ عوف لخالد، (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتُغْضِبَ) بالبناء للمفعول؛ أي: أُغضب، فالسين والتاء زائدتان، يعني: أنه حصل الغضب للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - على عوف في معاملته لخالد، من جرّ ثوبه، وإغلاظ القول له، مع أن الواجب احترام الأمراء، والتأدّب معهم، وعدم إلحاق شيء من الأذى بهم؛ لأنهم نائبون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني، فقد عصى الله، ومن أطاع أميري، فقد أطاعني، ومن عصى أميري، فقد عصاني"، متّفقٌ عليه، فلذلك غضب - صلى الله عليه وسلم - (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - "لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ) كرّره تغليظًا للأمر.

وقال ابن حبّان - رحمه الله - في "صحيحه" بعد إخراجه الحديث ما نصّه: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعطه يا خالد" أراد به في ذلك الوقت، ثم أمره، فأعطاه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن حبّان - رحمه الله - من أمره - صلى الله عليه وسلم -


(١) "المفهم" ٣/ ٥٥١.
(٢) "صحيح ابن حبّان" ١١/ ١٧٧.