للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفيء، كما سبق، وقد ذكرنا أن الشافعيّ أوجبه، ومذهب الشافعيّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان له من الفيء أربعة أخماسه، وخُمس خُمس الباقي، فكان له أحد وعشرون سهمًا من خمسة وعشرين، والأربعة الباقية لذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، ويُتَأَوَّلُ هذا الحديث على هذا، فنقول: قوله: "كانت أموال بني النضير"؛ أي: معظمها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى كون مذهب الجمهور أرجح في هذه المسألة؛ لقوّة حجته، كما اعترف به النوويّ - رحمه الله - في كلامه السابق، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

(فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ)؛ أي: يعطيهم قُوْت سَنَتهم، كما في البخاري: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم"، وأما لنفسه فما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ادَّخَرَ، ولا احتكر؛ وإنما كان يفعل ذلك لأهله قيامًا لهم بحقوقهم، ودفعًا لمطالبتهم، ومع ذلك فكان أهله يتصدقن، وقلّما يُمسكن شيئًا، ولذلك ما قد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ربما ينزل به الضيف، فيطلب له شيئًا في بيوت أزواجه، فلا يوجد عندهنّ شيء (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "ينفق على أهله نفقة سنة"؛ أي: يَعْزِل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير، فلا تتم عليه السنة، ولهذا توفي - رحمه الله - ودرعه مرهونة على شعير؛ استدانةً لأهله، ولم يَشْبَع ثلاثة أيام تباعًا، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بكثرة جوعه - رحمه الله -، وجوع عياله. انتهى (٣).

قال القرطبيّ - رحمه الله -: وفيه: ما يدلّ على جواز ادّخار قوت العيال سنة، ولا خلاف فيه إذا كان من غلَّة المدخِر، وأما إذا اشتراه من السُّوق، فأجازه قوم، ومنعه آخرون، إذا أضرّ بالناس، وهو مذهب مالك في الاحتكار مطلقًا. انتهى (٤).

وقال النوويّ - رحمه الله -: وفي هذا الحديث جواز ادّخار قوت سنة، وجواز


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٧٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٥٨.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ٧٠.
(٤) "المفهم" ٣/ ٥٥٨.