للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"ما" مصدريّة ظرفيّة: أي مدّة عدم التكلّم به، أو مدّة عدم العمل به.

والمقصود به ما لم يتحقّق في الخارج؛ لأن ما حدّثت به النفس إما أن يتحقّق في الخارج باللسان، كالغيبة، والنميمة، والكذب، والقذف، وإما أن يتحقّق في الخارج بالجوارح الأخرى، كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقتل، وليس المقصود من قوله: "ما لم يتكلّموا" ما لم يَحْكُوه، فإن الشخص إذا قال: حدّثتني نفسي بكذا، فحاربتها، لا يكون متكلّمًا بما حدّثته نفسه، ولكنه متكلّم عنه، فلا يدخل في المؤاخذة.

وقال الكرمانيّ: فيه أن الوجود الذهنيّ لا أثر له، وإنما الاعتبار بالوجود القوليّ في القوليّات، والعمليّ في العمليّات، وقد احتجّ به من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس، ولو عزم عليه، وانفصل من قال: يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من العمل - يعني عمل القلب -.

وقال في "الفتح": وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح؛ لأن المفهوم من لفظ: "ما لم يعملوا" يُشعر بأن كلّ شيء في الصدر لا يؤاخذ به، سواء توطّن به، أم لم يتوطّن. انتهى (١).

وقال السنديّ: وقوله: "ما لم يتكلّموا به، أو يعملوا به" صريحٌ في أنه مغفور ما دام لم يتعلّق به قولٌ، أو فعل، فقولهم: إذا صار عزمًا يؤاخذ به مخالفٌ لذلك قطعًا.

ثم حاصل الحديث أن العبد لا يؤاخذ بحديث النفس قبل التكلّم به، والعمل به، وهذا لا ينافي ثبوت الثواب على حديث النفس أصلًا، فمن قال: إنه مُعَارَض بحديث: "مَن همّ بحسنة، فلم يعملها، كُتبت له حسنة"، فقد وَهِم.

بقي الكلام في اعتقاد الكفر، ونحوه، والجواب أنه ليس من حديث النفس، بل هو مندرجٌ في العمل، وعملُ كلّ شيء على حسبه، ونقول: الكلام فيما يتعلّق به تكلّمٌ، أو عملٌ، بقرينة "ما لم يتكلّموا … إلخ"، وهذا ليس منهما، وإنما هو من أفعال القلب، وعقائده، لا كلام فيه، فليتأمّل، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ١١/ ٥٦٠.
(٢) "شرح السنديّ" ٦/ ١٥٧ - ١٥٨.