أحدها: أنهما قد كانا، ترافعا لأبي بكر في ذلك، فمنعهما أبو بكر مستدلًّا بالحديث الذي تقدَّم، فلما سمعاه أذعنا، وسكتا، وسلَّما، إلى أن توفي أبو بكر، وولي عمر، فجاءاه، فسألاه أن يوليَهُما على النظر فيها، والعمل بأحكامها، وأخْذها من وجوهها، وصرْفها في مواضعها، فدفعها إليهما على ذلك، وعلى أن لا ينفرد أحدهما عن الآخر بعمل حتى يستشيره، ويكون معه فيه، فعملا كذلك إلى أن شقّ عليهما العمل فيها مجتمعين، فإنهما كانا بحيث لا يقدر أحدهما أن يستقلّ بأدنى عمل حتى يحضر الآخر، ويساعده، فلما شقّ عليهما ذلك، جاءا إلى عمر - رضي الله عنه - مرَّة ثانية، وهي هذه الكرّة التي ذُكرت هنا، يطلبان منه أن يقسمها بينهما، حتى يستقل كل واحد منهما بالنظر فيما يكون في يديه منها، فأبى عليهما عمر - رضي الله عنه - ذلك، وخاف إن فعل ذلك أن يَظُنّ ظانٌّ أن ذلك قسمة ميراث النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيعتقد بطلان قوله:"لا نورث"، لا سيما لو قسمها نصفين، فإن ذلك كان يكون موافقًا لسُنَّة القسم في المواريث؛ فإن من ترك بنتًا، وعمًا، كان المال بينهما نصفين: للبنت النصف بالفرض، وللعم النصف بالتعصيب، فمنع ذلك عمر حسمًا للذريعة، وخوفًا من ذهاب حكم قوله:"لا نورث".
والوجه الثاني: أن عليًّا - رضي الله عنه - لمّا ولي الخلافة لم يغيّرها عما عُمل فيها في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملّكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان مَنْ قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن عليّ، ثم بيد حسين بن عليّ، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسن، ثم بيد عبد الله بن الحسن، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر الْبَرْقانيّ في "صحيحه".
وهؤلاء كبراء أهل البيت - رضي الله عنهم -، وهم معتمَد الشيعة وأئمتهم، لم يُرو عن واحد منهم: أنه تملّكها، ولا ورثها، ولا وُرثتْ عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقًّا لأخذها عليّ، أو أحدٌ من أهل بيته لَمَا ظَفِروا بها.
والوجه الثالث: اعتراف عليّ والعبَّاس بصحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، وبعلم ذلك حين سألهما عن علم ذلك، ثم إنهما أذعنا، وسلَّما، ولم يبديا - ولا أحد منهما - في ذلك اعتراضًا، ولا مَدْفعًا، ولا يحل لمن