يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول: إنهما اتقيا على أنفسهما، لِمَا يُعلم من صلابتهما في الدين، وقوّتهما فيه، ولمَا يُعلم من عدل عمر، وأيضًا: فإن المحل محل مناظرة، ومباحثة عن حكم مال من الأموال، ليس فيه ما يفضي إلى شيء مما يقوله أهل الهذيان من الشيعة.
ثم الذي يقطع دابر العناد ما ذكرناه من تمكّن عليّ وأهل بيته من الميراث، ولم يأخذوه، كما قلناه.
والوجه الرابع: نصّ قول عمر - رضي الله عنه - هنا، وحكايته عنهما في آخر الحديث، حيث قال لهما:"ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتم: ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما، على أن عليكما عهد لله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم"، هذه نصوص منهم على صحة ما ذكرناه.
وإنما طوَّلنا الكلام في هذا الموضع لاستشكال كثير من الناس لهذا الحديث، وللآتي بعده، ولخوض الشيعة في هذا الموضع، ولتقوّلهم فيه بالعظائم على الخلفاء البررة الحنفاء - رضي الله عنهم -. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بطوله، وهو تحقيق نفيسٌ، وبحثٌ أنيس، والله تعالى أعلم.
(قَالُوا: نَعَمْ)؛ أي: نعلم ذلك، (ثُمَّ أَقْبَلَ) عمر - رضي الله عنه - (عَلَى الْعَبَّاس، وَعَلِيٍّ) - رضي الله عنهما - (فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ؟ "، فَالَا: نَعَمْ)؛ أي: نعلم ذلك، (فَقَالَ عُمَرُ) - رضي الله عنه - (إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِخَاصَّةٍ، لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ) ذكر القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ - في معنى كلام عمر - رضي الله عنه - هذا احتمالين: أحدهما: تحليل الغنيمة له ولأمته، والثاني: تخصيصه بالفيء، إما كلِّه، أو بعضه، كما سبق من اختلاف العلماء، قال: وهذا الثاني أظهر؛ لاستشهاد عمر - رضي الله عنه - عليه بالآية. انتهى (١).
وقال الأبيّ في "شرحه": قيل: إباحة الغنائم له ولأمته، أو كونها له خاصّةً، أو تخصيصه بما أفاء الله عليه، إما بمِلكه كلّه، كما قال الأكثر، أو