للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمِلكه التصرّف والحكم فيه، كما قال الجمهور؛ أي: جعل حُكم ذلك له، يحكم فيه يما يراه، وهذا أظهر الوجوه؛ لاستشهاد عمر - رضي الله عنه - عليه بالآية. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يعني بذلك أن الله تعالى أحلّ له الصفيّة وطيّبه له، ولم يحل ذلك لأحد من الأنبياء قبله كما قال في الغنيمة: "احلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي"، وليس معنى ذلك أن عمر كان يعتقد أن الله خصّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الفيء المعين، فيصرفه حيث شاء، فتكون وجه الخصوصية أنه لا يُخمسه، ولا يَقسمه، بخلاف غيره من الفيء، فإنه يقسم عند الشافعية على خمسة، وعند الحنفية على ثلاثة، وعند مالك يقسم على الاجتهاد؛ لأنا نقول ذلك فاسدٌ من وجهين:

أحدهما: أن الآية التي استدلّ بها عمر على خصوصية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك مصرّحة بالقسم، فإنه قال فيها: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: ٧]، وحينئذٍ كانت تكون الآية مصرّحة بنقيض مقصوده.

والوجه الثاني: أن عمر المصرّح بالخصوصية حكم في كل فيء بالقسمة، ولمّا قرأ عمر هذه الآية إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] قال: أرى هذه الآية قد استوعبت الناس كلهم، حتى الراعي بعدل، ونص بعدم الخصوصية في الآية، فوَجْهُ الخصوصية التي ذكر ما قلناه، والله أعلم.

وقد ذكرنا في كتاب الزكاةِ: الفقير، والمسكين، وابن السبيل، فأما ذوو القربى فهم قرابة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واختُلف فيمن هم؟ فالجمهور على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وذهب بعض السلف إلى أنهم قريش، ثم هل يستحقه الفقراء منهم خاصة دون الأغنياء، أم جميعهم؛ ثم هل يقسم بينهم على السواء، أم على حكم قسمة المواريث؟ ومذهب الشافعيّ أنه حقّ لهم فيستوي فيه صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، لذَكَرِهم سهمان، وللأنثى سهم، ومذهب عليّ: قسمته على ما يؤدي إليه اجتهاد الإمام. انتهى (٢).


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ٧٥.
(٢) "المفهم" ٣/ ٨٩/١١، وهذا البحث لا يوجد في بعض نسخ "المفهم"، فتنبّه.