وقال في "الفتح" عند قوله: "إن الله قد خَصّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفيء بشيء": في رواية مسلم: "بخاصّة لم يخصص بها غيره"، وفي رواية عمرو بن دينار، عن ابن شهاب في "التفسير": "كانت أموال بني النضير، مما أفاء الله على رسوله، فكانت له خاصّةً، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عُدّةً في سبيل الله"، وفي رواية سفيان، عن معمر، عن الزهري عند البخاريّ في "النفقات": "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم"؛ أي: ثمر النخل، وفي رواية أبي داود، من طريق أسامة بن زيد، عن ابن شهاب:"كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صَفَايا: بنو النضير، وخيبر، وفَدَك، فأما بنو النضير فكانت حُبْسًا لنوائبه، وأما فَدَك فكانت حُبْسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها بين المسلمين، ثم قسم جزءًا لنفقة أهله، وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين".
ولا تعارض بينهما؛ لاحتمال أن يُقسَم في فقراء المهاجرين، وفي مُشْتَرى السلاح والكراع، وذلك مفسِّر لرواية معمر عند مسلم:"ويجعل ما بَقِيَ منه مَجْعَل مال الله"، وزاد أبو داود في رواية أبي الْبَخْتَري المذكورة:"وكان ينفق على أهله، ويتصدق بفضله".
وهذا لا يعارض حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنه - صلى الله عليه وسلم - تُوُفّي ودرعه مرهونة على
شعير"؛ لأنه يُجمع بينهما بأنه كان يدّخر لأهله قوت سنتهم، ثم في طول السنة يَحتاج لمن يَطْرُقه إلى إخراج شيء منه، فيُخرجه، فيحتاج إلى أن يُعَوِّض من يأخذ منها عِوَضه، فلذلك استدان. انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو بحث مفيد جدًّا، والله تعالى أعلم.
(قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ})، وقوله:(مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا؟) هذا تردّد من بعض الرواة: هل قرأ عمر - رضي الله عنه - الآية السابقة مع هذه، أم لم يقرأها؟، وقد ثبت في رواية البخاريّ أنه قرأها، ونضه: "ثم قرأ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلى قوله: {قَدِيرٌ}"، قال في "العمدة": وتمام الآية: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ
(١) "الفتح" ٧/ ٣٥٨ - ٣٥٩، كتاب "فرض الخمس" رقم (٣٠٩٤).