للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: ٦]؛ أي: وما رَدّ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورجع إليه، ومنه فيء الظل، والفيء كالعَوْد، والرجوع يُستعمل بمعنى المصير، وإن لم يتقدم ذلك.

وقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ} من الإيجاف، من الوَجِيف، وهو السير السريع، والمعنى: إنما جعل الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من أموال بني النضير شيئًا لم تُحَصِّلوه بالقتال والغلبة، ولكن سَلّط الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وعلى أموالهم، كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مُفَوَّض إليه، يضعه حيث يشاء، وهو معنى قوله: "فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا حقّ لأحد فيها، فكان يأخذ منها نفقته، ونفقة أهله، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين". انتهى (١).

(قَالَ: فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِير، فَوَاللهِ مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ)؛ أي: ما اختصّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها نفسه، وإنما أنفقها عليكم (وَلَا أخَذَهَا دُونَكُمْ، حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ)؛ أي: المال الذي وقعت فيه الخصومة بين العبّاس وعليّ - رضي الله عنهما -، وفي رواية للبخاريّ: "قال عمر: فإني أحدّثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خصّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفيء بشيء لم يُعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلى قوله: {قَدِيرٌ} [الحشر: ٦]، فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووالله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، قد أعطاكموها، وبثّها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُنفق على أهله نفقة سنتهم … " الحديث.

(فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ) بضمّ الهمزة، وكسرها؛ أي: تابعًا للمال المعذ لمصالح المسلمين، وفي رواية معمر التالية: "ثم يجعل ما بقي منه مَجْعل مال الله - عَزَّ وَجَلَّ - ". (ثُمَّ قَالَ) عمر - رضي الله عنه - لعثمان، وعبد الرحمن، والزبير وسعد - رضي الله عنه - (أَنْشُدُكُمْ) بفتح أوله، وضمّ ثالثه، مضارع نَشَدَ ثلاثيًّا، من باب نصر، يقال: نشدتك اللهَ، وبالله أنشُدُك: ذَكَّرتك به، واستعطفتك، أو سألتك مُقسِمًا عليك (٢)، وهذا المعنى الأخير هو المناسب


(١) "عمدة القاري" ١٥/ ٢٥.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٠٥.