بالاستحباب؛ إذ لو كان واجبًا لَمَا خصَّ به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعضَ من أسلم، ولو أمر به الكلّ لنُقِل إلينا نقلًا مشتهرًا، ومعلوم انتشار الإسلام في الناس، ولكن لَمْ يُحفَظ عن كلّ من أسلم أنه أُمر بالاغتسال لا في عهد النبوة، ولا بعدهُ، إلَّا عن طائفة قليلة، فدل على الاستحباب، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في دخول الكافر المسجد:
ذهبت طائفة من العلماء إلى جواز دخول الكافر المسجد، سواء كان كتابيًّا، أو غيره، وبه قال الشافعيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -، واستثنى من ذلك مسجد مكة وحرمه، واحتجّ بحديث ثمامة المذكور في الباب، وبأن ذات المشرك ليست بنجسة.
وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز للكافر دخول المسجد مطلقًا، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومالك، والمزنيّ.
واحتجوا بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}[التوبة: ٢٨]، وبقوله:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور: ٣٦]، ودخول الكفار فيها مناقض لرفعها، وبقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر"، رواه مسلم، والكافر لا يخلو عن ذلك، وبقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا أُحل المسجد لحائض ولا جنب"، والكافر جنب، أفاده في "العمدة"(١).
قال الجامع: الحديث رواه أبو داود، وحسَّنه ابن القطان، وابن سيد الناس.
وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره" ما حاصله: وقال قتادة: لا يقرب مشرك؛ إلَّا أن يكون صاحب جزية، أو عبدًا كافرًا لمسلم، وروى إسماعيل بن إسحاق، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدّثنا شريك، عن أشعث، عن الحسن، عن جابر، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يقرب المسجد مشرك، إلَّا أن يكون عبدًا، أو أمة، فيدخله لحاجة"، وبهذا قال جابر بن عبد الله؛ فإنه قال: العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام، وهو مخصوص في العبد، والأمة.