للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأنه هو الذي كان صاحب دراسة كتبهم؛ أي: قراءتها، والأول أرجح.

ووقع في بعض الطرق: "حتى إذا أتى المدراس"، ففسره في "المطالع" بالبيت الذي تُقرأ فيه التوراة، ووجّهه الكرمانيّ بأن إضافة البيت إليه من إضافة العامّ إلى الخاصّ، مثل شجر أراك، وقال في "النهاية": مِفْعَال غريب في المكان، والمعروف أنه من صيغ المبالغة للرجل.

قال الحافظ: والصواب أنه على حذف الموصوف، والمراد الرجل، وقد وقع في الرواية الماضية - أي: عند البخاريّ - في "الجزية": "حتى جئنا بيت الْمُدارس" بتأخير الراء عن الألف، بصيغة الْمُفَاعِل، وهو مَن يدرس الكتاب، ويعلّمه غيره، وفي حديث الرجم: "فوضع مِدارسها الذي يدرسها يده على آية الرجم"، وفُسِّر هناك بأنه ابن صوريا، فَيَحْتَمِل أن يكون هو المراد هنا. انتهى (١).

(فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا) بفتح الهمزة، من الإسلام، (تَسْلَمُوا") مجزوم؛ لأنه جواب الأمر، وهو من السلامة، وفيه الجناس الحسن؛ لسهولة لفظه، وعدم كُلْفته، ونظيره في كتاب هرقل: "أَسْلِمْ تَسْلَمْ".

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "أسلموا تسلموا"؛ أي: ادخلوا في دين الإسلام طائعين تسلموا من القتل، والسباء مأجورين، وفيه دليلٌ على استعمال التجنيس، وهو نوع من أنواع البلاغة. انتهى (٢).

(فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "قد بلّغت" كلمة مَكَرٍ، ومداجاة (٣)؛ ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها، وذلك أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلّغ رسالة ربِّه تعالى، ولذلك قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذلك أريد"؛ أي:


(١) "الفتح" ١٦/ ٢٢٢ - ٢٢٣، كتاب "الإكراه" رقم (٦٩٤٤).
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٨٧.
(٣) يقال: داجاه مُداجاةً: ساتره بالعداوة، ولم يُبدها له.