(بَنِي النَّضِيرِ)؛ أي: أخرجهم من ديارهم، كما قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} الآية [الحشر: ٢]، قال البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال الزهريّ: كانت - يعني: قصّة إخراجهم - على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أُحد، وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأُحد.
قال في "الفتح": قول الزهريّ المذكور وصله عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر، عن الزهريّ، أتمّ من هذا، ولفظه: عن الزهريّ، وهو في حديثه عن عروة، ثم كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم، ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنَّ لهم ما أقلّت الإبل من الأمتعة، والأموال، لا الحلقة - يعني: السلاح - فأنزل الله فيهم:{سَبَّحَ لِلَّهِ} إلى قوله {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}[الحشر: ١، ٢] وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبطٍ لَمْ يُصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسباء. انتهى (١).
وقد ذكر ابن إسحاق - رَحِمَهُ اللهُ - قصّة محاربتهم، وسبب إجلائهم، فذكر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم، أن عامر بن الطُّفيل أعتق عمرو بن أمية لَمّا قَتَل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمه، فخرج عمرو إلى المدينة، فصادف رجلين من بني عامر، معهما عقد، وعهد من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يشعر به عمرو، فقال لهما عمرو: ممن أنتما؟ فذكرا أنهما من بني عامر، فتركهما حتى ناما، فقتلهما عمرو، وظَنّ أنه ظَفِر ببعض ثأر أصحابه، فأَخْبَر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فقال: لقد قتلت قتيلين لَأُودِيَنَّهما. انتهى.
قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما، فيما حدّثني يزيد بن رُومان، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد، وحِلْف، فلمّا أتاهم يستعينهم، قالوا: نعم، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال. قال: وكان جالسًا إلى جانب جدار لهم، فقالوا: مَن رجلٌ يعلو على هذا البيت، فيلقي هذه الصخرة عليه، فيقتله،
(١) "الفتح" ٩/ ٨٥ - ٨٦، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٢٨).