ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فأتاه الخبر من السماء، فقام مظهرًا أنه يقضي حاجة، وقال لأصحابه: لا تبرحوا، ورجع مسرعًا إلى المدينة، واستبطأه أصحابه، فأُخبروا أنه توجه إلى المدينة، فلحقوا به، فأمر بحربهم، والمسير إليهم، فتحصّنوا، فأمر بقطع النخل والتحريق.
وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال، وكان ناس من المنافقين بَعَثُوا إليهم أن اثبتوا، وتمنّعوا، فإن قوتلتم قاتلنا معكم، فتربصوا، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فلم ينصروهم، فسألوا أن يُجْلَوا عن أرضهم، على أنَّ لهم ما حملت الإبل، فصولحوا على ذلك.
وروى البيهقيّ في "الدلائل" من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام.
قال ابن إسحاق: فاحتملوا إلى خيبر، وإلى الشام، قال: فحدّثني عبد الله بن أبي بكر أنهم خَلَّوا الأموال من الخيل والمزارع، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصّة، قال ابن إسحاق: ولم يُسْلِم منهم إلَّا يامين بن عمير، وأبو سعيد بن وهب، فأحرزا أموالهما.
وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر، عن الزهريّ، أخبرني عبد الله بن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أُبَيّ وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يُهَدِّدونهم بإيوائهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب، فَهَمّ ابن أُبَيّ ومن معه بقتال المسلمين، فأتاهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش، يريدون أن تُلْقُوا بأسكم بينكم، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحقّ، فتفرقوا، فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، يتهددونهم، فاجمع بنو النضير على الغدر، فارسلوا إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخرُجْ إلينا في ثلاثة من أصحابك، ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن أَمنوا بك اتّبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يَصِلَ إليهم، فرجع، وصَبَّحَهم بالكتائب، فحصرهم يومه، ثم غدا علي بني قريظة، فحاصرهم، فعاهدوه،