للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنَّ لهم ما أقلّت الإبل، إلَّا السلاح، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم، فكانوا يُخْرِبون بيوتهم بأيديهم، فيهدمونها، ويحملون ما يوافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، وكذا أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره" عن عبد الرزاق، وفي ذلك ردّ على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصّة حديث بإسناد.

قال الحافظ: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق، من أن سبب غزوة بني النضير طَلَبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُعِينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابنّ إسحاق جلُّ أهل المغازي، فالله أعلم.

وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذُكِر من همَّهم بالغدر به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية، تعيَّن ما قال ابن إسحاق؛ لأنَّ بئر معونة كانت بعد أُحد بالاتفاق، وأغرب السهيليّ، فرجّح ما قال الزهريّ، ولولا ما ذُكر في قصة عمرو بن أمية، لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع، والله أعلم. انتهى (١).

(وَأقَرَّ قُرَيْظَةَ)؛ أي: تركهم في ديارهم، ولم يُخرجهم كما أخرج النضير، (وَمَنَّ عَلَيْهِمْ) بسبب أن عبد الله بن أُبَيّ استوهبهم منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم حلفاؤه، فوهبهم له، (حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ) ذكر ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال: "كان بين بني قريظة وبين النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد، فلما جاءت الأحزاب نقضوه، وظاهروهم، فلما هَزَم الله - عَزَّ وَجَلَّ -، الأحزاب تحصَّنوا، فجاء جبريل، ومن معه من الملائكة، فقال: يا رسول الله انْهَضْ إلى بني قريظة، فقال: إن في أصحابي جَهْدًا، قال: انهض إليهم، فلأُضعضعنّهم، قال: فأدبر جبريل، ومن معه من الملائكة، حتى سطع الغبار في زُقاق بني غنم من الأنصار، وقوله: (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أي: المنّ المذكور؛ يعني: أن إقراره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومَنّه عليهم إلى أن حاربوا، (فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ)؛ أي: فلما حاربوا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاصرهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمسة وعشرين يومًا حتى جهدهم الحصار، وقَذَف الله


(١) "الفتح" ٩/ ٨٧ - ٨٨، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٢٨).