في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقتل رجالهم (وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ أي: بعدما أخرج الخمس، فأعطى للفارس ثلاثة أسهم: سهمين للفرس، وسهمًا لفارسه، وسهمًا للراجل، وكانت الخيل ستة وثلاثين.
(إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ)؛ أي: بعض بني قريظة (لَحِقُوا) بكسر الحاء المهملة، من باب تَعِبَ، (بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عدّاه بالباء؛ لأنه يجوز أن يتعدّى به، وبنفسه، يقال: لَحِقته، ولَحِقت به أَلْحَقُ، لَحَاقًا بالفتح: أدركته، وألحقته بالألف مثله، قاله الفيّوميّ (١).
وقوله:(فَآمَنَهُمْ) بالمدِّ؛ أي: أعطاهم الأمان، وقوله:(وَأَسْلَمُوا) من عَطْف السبب على المسبّب، فإن سبب إعطائهم الأمان هو إسلامهم، (وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودَ الْمَدِينَة، كُلَّهُمْ)، وقوله:(بَنِي قَيْنُقَاعَ) منصوب على البدليّة من "يهود المدينة"، ونون قينقاع مثلّثة، والأشهر فيها الضمّ، (وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ) - رضي الله عنه -، وهم أول من نقض العهد من اليهود، وأول من أُخرج من المدينة كما تقدم قريبًا.
وروى ابن إسحاق في "المغازي" عن أبيه، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: لَمّا حاربت بنو قينقاع، قام بأمرهم عبد الله بن أُبَيّ، فمشى عبادة بن الصامت، وكان له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أُبَيّ، فتبرأ عبادة منهم، قال: فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إلى قوله: {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} الآية [المائدة: ٥١ - ٥٢]، وكان عبد الله بن أُبيّ لمّا سأل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يَمُنّ عليهم، قال: يا محمد إنهم منعوني من الأسود والأحمر، وإني امرؤ أخشى الدوائر، فوهبهم له.
وذكر الواقديّ أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين - يعني: بعد بدر بشهر - ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أصاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشًا يوم بدر، جمع يهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا يهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشًا يوم بدر، فقالوا: إنهم كانوا لا