يعرفون القتال، ولو قاتلتنا لعرفت أنّا الرجال، فأنزل الله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} إلى قوله: {لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[آل عمران: ١٢، ١٣].
وأغرب الحاكم، فزعم أن إجلاء بني قينقاع، وإجلاء بني النضير، كان في زمن واحد، ولم يوافَق على ذلك؛ لأنَّ إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر، على قول عروة، أو بعد ذلك بمدة طويلة، على قول ابن إسحاق، قاله في "الفتح"(١).
وقال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحاربوا فيما بين بدر وأُحد، قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجَلَب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًّا، وشدّت اليهود على المسلم، فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع، واستعمل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: وحدّثني أبي إسحاقُ بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: لمَّا حاربت بنو قينقاع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشبّث بأمرهم عبد الله بن أُبَيِّ ابن سَلُول، وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أحد بني عوف لهم من حِلْفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبيّ، فخلعهم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حِلْفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار، وولايتهم، قال: ففيه وفي عبد الله بن أُبَيّ نزلت هذه القصة من المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
(١) "الفتح" ٩/ ٨٧ - ٨٨، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٢٨).