للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في موضع آخر: قوله: "يصيب منّا، ونصيب منه": وقعت المقاتَلة بين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش قبل هذه القصّة في ثلاثة مواطن: بدرٍ، وأُحُدٍ، والخندق، فأصاب المسلمون من المشركين في بدر، وعكسه في أُحد، وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان: "يصيب منّا، ونصيب منه"، ولم يُصِب مَن تعقّب كلامه، وأن فيه دسيسةً لم ينبّه عليها، كما نَبَّه على قوله: "ونحن منه في مدة، لا ندري ما هو صانع فيها"، والحقّ أنه لم يدسّ في هذه القصة شيئًا، وقد ثبت مثل كلامه هذا من لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.

(قَالَ) هرقل (فَهَلْ يَغْدرُ؟) بكسر الدال، والغدرُ: ترك العهد، وعدم الوفاء به، (قُلْتُ: لَا)؛ أي: لم يغدر فيما مضى من الزمن، (وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ) قال النوويّ رحمه الله: يعني: مدّة الْهُدْنة والصلح الذي جرى يوم الحديبية، وتعقّبه العينيّ، فقال بعد نقل كلامه: وليس كذلك، وإنما يريد غيبته عن الأرض، وانقطاع أخباره عنه، ولذلك قال: "ولم يمكنّي كلمة أُدخل فيها شيئًا"؛ لأن الإنسان قد يتغير، ولا يُدرى الآن: هل هو على ما فارقناه، أو بَدَّل شيئًا؟ انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا وجه لتعقّب العيني المذكور، فإن ما قاله النوويّ محتمل لأن يراد هنا، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

(لَا نَدْرِي) قال الكرمانيّ رحمه الله: في قوله: "لا ندري" إشارة إلى أن عدم غدره غير مجزوم به، وتعقّبه العينيّ، فقال: ليس كذلك، بل لكون الأمر مغيَّبًا عنه، وهو في الاستقبال تردّد فيه، بقوله: "لا ندري". انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لم يظهر لي وجه اعتراض العينيّ، فليُتأمّل.

(مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا؟)؛ أي: في تلك المدة، (قَالَ) أبو سفيان (فَوَاللهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ) "من" زائدة، و"كلمة" فاعل "أمكنني"، (أُدْخِلُ) بضمّ أوله، من الإدخال، (فِيهَا)؛ أي: في الكلمة، ذَكَرَ الكلمة، وأراد بها الكلام، (شَيْئًا) مفعول به لـ"ادخِل"، (غَيْرَ هَذِهِ) وقال القرطبيّ رحمه الله؛ يعني: أنه كان يعلم من خُلُق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، والصدق، وأنه يفي بما عاقدهم عليه، لكن لمّا


(١) "عمدة القاري" ١/ ١٥٦.