للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قريشًا، أو العرب، وششفاد منه أن الشفاهيّ يعمّ؛ لأنه لم يُرِد المخاطبين فقط، وكذا قوله: "فهل قاتلتموه"، وقوله: "بماذا يأمركم"، واستعمل "قَطّ" بغير أداة النفي، وهو نادر، ومنه قول عمر - رضي الله عنه -: "صلينا أكثر ما كنا قطّ، وآمنه ركعتين"، ويَحْتَمِل أن يقال: إن النفي مُضَمَّنٌ فيه، كأنه قال: هل قال هذا القول أحد، أو لم يقله أحد قط؟ انتهى (١).

(قَالَ) أبو سفيان (قُلْتُ: لَا)؛ أي: لم يقل هذا القول أحد منا قبله.

(قَالَ) هرقل (لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ)؛ أي: لأبي سفيان، (إِنِّي سَأَلْتُكَ)؛ أي: قل له حاكيًا عن هرقل أني سألتك، أو المراد أني سألتك على لسان هرقل؛ لأن الترجمان يعيد كلام هرقل، ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان، ولا يبعد أن يكون هرقل كان يفقه بالعربية، ويأنف من التكلم بغير لسان قومه، كما جرت به عادة الملوك من الأعاجم (٢).

(سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ) ذَكَر الأسئلة وهي تسعة، وسيأتي العاشر، وأجاب عن كل جواب بما يقتضيه الحال، وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الجميع، فالبعض مما تلقّفه من الكتب، والبعض مما استقرأه بالعادة.

(فَزَعَمْتَ)؛ أي: قلت (أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ)؛ أي: شرف عظيم، (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا) الظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرّر عنده في الكتب السالفة.

قال القرطبيّ رحمه الله: إنما كان ذلك؛ لِمَا خَصّ الله به الأشراف من مكارم الأخلاق، والتباعد عن سفسافها، والصدق، والأمانة، ولتنجذب النفوس إليهم، فإن الأبصار مع الصور، وأقلُّ ما في الوجود إدراك البصائر. انتهى (٣).

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "وكذلك الرسل تُبعث في أحساب قومها"؛ يعني: في أفضل أنسابهم، وأشرفها، قيل: الحكمة في ذلك أنه أبعد من انتحاله الباطل، وأقرب إلى انقياد الناس له، وأما قوله: "إن الضعفاء هم أتباع الرسل"؛ فَلِكَوْن الأشراف يَأنَفُون من تقدّم مثلهم عليهم، والضعفاء لا يأنفون،


(١) "الفتح" ١/ ٧٥.
(٢) "الفتح" ٩/ ٧٢٧.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٠٥.