للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيُسرعون إلى الانقياد، واتِّباع الحق، وأما سؤاله عن الردّة؛ فلان من دخل على بصيرة في أمر محقَّق لا يرجع عنه، بخلاف من دخل في أباطيل، وأما سؤاله عن الغدر؛ فلأن من طلب حظّ الدنيا لا يبالي بالغدر وغيره، مما يُتَوَصَّل به إلى ذلك، ومَن طلب الآخرة لم يرتكب غدرًا، ولا غيره من القبائح. انتهى (١).

(وَسَأَلتُكَ) وفي بعض النسخ: "وسألت" بدون الكاف، (هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؛ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ)؛ أي: قلت في نفسي، وأطلق على حديث النفس قولًا، (لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ) وفي رواية للبخاريّ: "مُلك أبيه" بالإفراد. (وَسَأَلْتُكَ عَنْ أتبَاعِه، أَضُعَفَاؤهُمْ، أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرّسُلِ)؛ معناه: أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة، لا أهل الاستكبار الذين أصرّوا على الشقاق بَغْيًا، وحَسَدًا، كأبي جهل، وأشياعه، إلى أن أهلكهم الله تعالى، وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: إنما كان أتباع الرسل الضعفاء؛ لاستيلاء الرئاسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنَفَة من الانقياد للغير، والضعيف خَلِيّ عن تلك الموانع، وهذا غالب أحوال أهل الدنيا، وإلا فقد ظهر أن السُّباق للإسلام كانوا أشرافًا في الجاهلية والإسلام، كأبي بكر، وعمر، وحمزة، وغيرهم من الكبراء والأشراف - رضي الله عنهم -. انتهى (٢).

(وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ عَرَفْت) وفي بعض النسخ: "فعرفت"، (أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ) بكسر اللام، وهي تُسمّى لام الجحود؛ لملازمتها للجحد؛ أي: النفي، وفائدتها توكيد النفي، وهي الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بـ"ما كان"، أو "لم يكن" ناقصتين مسنَدتين لِمَا أُسند إليه الفعل المقرون باللام، نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: ١٧٩]، ونحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: ١٣٧ و ١٦٨]، وقال النحّاس: الصواب تسميتها لام النفي؛ لأن الجحود في اللغة إنكار ما


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٠٤ - ٦٠٥.