للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعرفه، لا مطلق الإنكار، قاله في "العمدة" (١)؛ أي: لم يكن ليترك (الْكَذِبَ عَلَى النَّاس، ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى الله، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهُ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ)؛ أي: أمرُ الإيمان، (إِذَا خَالَطَ) قال في "الفتح": هذا يرجّح أن الرواية التي عند البخاريّ في "بدء الوحي" بلفظ: "حتى يخالط" وَهَمٌ، والصواب "حين"، كما للأكثر. انتهى (٢). (بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ)؛ يعني: انشراح الصدور، وأصلها: اللطف بالإنسان عند قدومه، وإظهار السرور برؤيته، يقال: بَشَّ به، وتبشبش (٣)، قاله النوويّ رحمه الله.

وقال القرطبي رحمه الله: قوله: "وكذلك الإيمان حين يُخالط بشاشةَ القلوب"؛ هكذا وقعت هذه الرواية هنا، وفي البخاريّ: "حين تخالط بشاشته القلوبَ"، وهي أوضح، وأصل البشاشة: التلطف، والتأنس عند اللقاء، يقال: بَشّ به، وبشبش، ومعنى هذا أن القلوب المنشَرِحَة إذا سمعت الإيمان، وأصغت إليه بشَّت له، ورحّبت بلقائه، كما يُفْعَل بالغائب عند اللقاء، ثم إذا حَلَّ الإيمان في القلب انكشفت له محاسنه، وتوالت عليه أنواره، حتى يَكره أن يعود في الكفر، كما يَكره أن يُقْذَف في النار. انتهى (٤).

وزاد البخاريّ في رواية في "الإيمان": "لا يسخطه أحد"، وزاد ابن السكن في روايته في "معجم الصحابة": (يزداد به عَجَبًا، وفَرَحًا وفي رواية ابن إسحاق: "وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا، فتخرجَ منه (٥).

(وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ، أَوْ يَنْقُصُونَ؟ (٦) فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتى يَتِمَّ)؛ أي: أمر الإيمان؛ لأنه يظهر نورًا، ثم لا يزال في زيادة، حتى يتم بالأمور المعتبَرة فيه، من صلاة، وزكاة، وصيام، وغيرها، ولهذا نزلت في آخر سنيّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية [المائدة: ٣]، ومنه: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} الآية [التوبة: ٣٢]، وكذا جرى لأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزالوا في زيادة، حتى كَمُل بهم ما أراد الله من


(١) "عمدة القاري" ١/ ١٥٦.
(٢) "الفتح" ٩/ ٧٢٧ - ٧٢٨.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٠٦.
(٤) "المفهم" ٣/ ٦٠٥.
(٥) "الفتح" ١/ ٧٨.
(٦) وفي نسخة: "أم ينقصون".