للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التوراة، والإنجيل، وجزم به النوويّ في "شرحه"، فقال: هذا الذي قاله هرقل أَخَذه من الكتب القديمة، ففي التوراة هذا، أو نحوه من أعلام نبوّته. انتهى (١).

(وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ) بضمّ اللام؛ أي: أصل، يقال: خَلَصَ إلى كذا؛ أي: وصل، (لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ) هكذا في رواية مسلم بلفظ: "أحببت"، وفي رواية البخاريّ: "لتجشّمت لقاءه " - بالجيم والشين المعجمة -؛ أي: تكلفت الوصول إليه، وارتكبت المشقّة في ذلك، وهذا يدلّ على أنه كان يتحقق أنه لا يَسْلَم من القتل إن هاجر إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستفاد ذلك بالتجربة، كما في قِصّة ضَغاطر الذي أظهر لهم إسلامه، فقتلوه، وللطبرانيّ من طريق ضعيف عن عبد الله بن شداد، عن دحية في هذه القصة مختصرًا: "فقال قيصر: أعرف أنه كذلك، ولكن لا أستطيع أن أفعل، إن فعلتُ ذَهَب مُلكي، وقتلني الروم"، وفي مرسل ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم: "أن هرقل قال: ويحك، والله إني لأعلم أنه نبيّ مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته"، لكن أَبُو تفطَّن هرقل لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب الذي أرسل إليه: "أسلم تَسْلم"، وحَمَل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسَلِمَ أَبُو أسلم من كل ما يخافه، ولكن التوفيق بيد الله تعالى (٢).

وقال في "الفتح" أيضًا في موضع آخر: قوله: "لأحببت لقاءه": في "بدء الوحي": "لتجشمت" بجيم ومعجمة؛ أي: تكلّفت، ورجّحها عياض، لكن نَسَبها لرواية مسلم خاصّة، وهي عند البخاريّ أيضًا، وقال النوويّ: قوله: "لتجشمت لقاءه"؛ أي: تكلّفت الوصول إليه، وارتكبت المشقّة في ذلك، ولكني أخاف أن أُقتَطَع دونه، قال: ولا عذر له في هذا؛ لأنه قد عَرَفَ صفة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، لكنه شحَّ بملكه، ورغب في بقاء رياسته، فآثرها على اتّباعه - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء ذلك مصرَّحًا به في "صحيح البخاريّ"، ولو أراد الله هدايته لوفّقه كما وفّق النجاشيّ، وما زالت عنه الرئاسة، ونسأل الله تعالى توفيقه (٣).


(١) "التوضيح" ٢/ ٤١٣.
(٢) "الفتح" ١/ ٧٩.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٠٧.