للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: قال شيخنا شيخ الإسلام - يعني: البلقينيّ -: كذا قال النوويّ، ولم أر في شيء من طرق الحديث في البخاريّ ما يدلّ على ذلك.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أن النوويّ عَنَى ما وقع في آخر الحديث عند البخاريّ دون مسلم، من القضة التي حكاها ابن الناطور، وأن في آخرها في "بدء الوحي" أن هرقل قال: "إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدّتكم على دينكم، فقد رأيت"، وزاد في آخر حديث الباب: "فقد رأيت الذي أحببت"، فكأن النوويّ أشار إلى هذا، والله أعلم، وقد وقع التعبير بقوله: "شَحّ بملكه" في الحديث الذي أخرجه. انتهى (١).

(وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ، لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ)؛ أي: إكرامًا له، واحترامًا، وخدمةً، وهذا منه مبالغة في العبودية - صلى الله عليه وسلم -، والخدمة، زاد عبد الله بن شداد، عن أبي سفيان: "لو علمت أنه هو لمشيت إليه، حتى أُقَبِّل رأسه، وأغسل قدميه"، وهي تدلّ على أنه كان بقي عنده بعض شكّ، وزاد فيها: "ولقد رأيت جبهته تتحادر عَرَقًا من كرب الصحيفة"؛ يعني: لَمّا قُرئ عليه كتاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يَطلب منه إذا وصل إليه سالِمًا، لا ولاية، ولا منصبًا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة.

(وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ) قال القرطبيّ رحمه الله: يعني بذلك أرضه التي كان فيها، ومملكته التي كان عليها، وكذلك كان، وهذا منه تحقيق لنبوَّته - صلى الله عليه وسلم -، وعِلْم بما يفتح الله عليه، وبما ينتهي إليه أمره، ومع ذلك ففي البخاريّ: أنه استمرّ على كفره، فنعوذ بالله من علم لا ينفع.

وقال القرطبيّ أيضًا: إذا تأملت هذا الحديث علمت فِطنة هرقل، وجوّدة قريحته، وحسن نظره، وسياسته، وتثبّته، وأنه عَلِم صحة نبوَّة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصدقه، غير أنه ظهر منه بعد هذا ما يدل على أنه لم يؤمن، ولم ينتفع بذلك العلم الذي حصل له، فإنه هو الذي جيَّش الجيوش على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقاتلهم، وألّب عليهم، ولم يقضر في تجهيز الجيوش عليهم، وإرساله إليهم الجموع العظيمة من الروم وغيرهم الكرَّة بعد الكرَّة، فيهزمهم الله،


(١) "الفتح" ٩/ ٧٢٨ - ٧٢٩.