للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويهلكهم، ولا يرجع إليه منهم إلا فُلُّهم، واستمر على ذلك إلى أن مات، وقد فتح الله على المسلمين أكثر بلاد الشام، ثم وَلي ولده بعده، وعليه فتحت جميع البلاد الشامية، وبهلاكه هلكت المملكة الرومية. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "ما تحت قدميّ"؛ أي: بيت المقدس، وكنى بذلك؛ لأنه موضع استقراره، أو أراد الشام كله؛ لأن دار مملكته كانت حمص، ومما يقوي أن هرقل آثر مُلكه على الإيمان، واستمرّ على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة، سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين، ففي مغازي ابن إسحاق: "وبلغ المسلمين لَمّا نزلوا مَعَان (٢) من أرض الشام، أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين"، فحَكَى كيفية الوقعة، وكذا روى ابن حبان في "صحيحه"، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أيضًا من تبوك يدعوه، وأنه قارب الإجابة، ولم يُجِب، فدلّ ظاهر ذلك على استمراره على الكفر، لكن يَحْتَمِل مع ذلك أنه كان يُضمر الإيمان، ويفعل هذه المعاصي مراعاة لِمُلْكه، وخوفًا من أن يقتله قومه.

إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إني مسلم، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ، بل هو على نصرانيته".

وفي "كتاب الأموال" لأبي عبيد بسند صحيح، من مرسل بكر بن عبد الله المزنيّ نحوه، ولفظه: "فقال: كذب عدوّ الله، ليس بمسلم"، فعلى هذا إطلاق صاحب "الاستيعاب" أنه آمن؛ أي: أظهر التصديق، لكنه لم يستمرّ عليه، ولم يعمل بمقتضاه، بل شَحّ بملكه، وآثر الفانية على الباقية، والله تعالى وليّ التوفيق (٣).

(قَالَ: ثُمَّ دَعَا)؛ أي: من وَكَّل ذلك إليه، ولهذا عُدّي إلى الكتاب بالباء، والله أعلم. (بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)، زاد في رواية البخاريّ: "الذي بعث به دِحيةُ إلى عظيم بُصرَى، فدفعه إلى هرقل"، (فَقَرَأَهُ)؛ أي: أمر بقراءته؛ لأنه عجميّ لا يعرف الكتاب العربيّ، وقال في "الفتح": قوله: "ثم دعا بكتاب


(١) "المفهم" ٣/ ٦٠٢.
(٢) بفتح الميم، كما في "ق".
(٣) "الفتح" ١/ ٧٩ - ٨٠.