للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"صحيحه"، وصححه ابن حبّان أيضًا، وفي إسناده مقال، وعلى تقدير صحته، فالرواية المشهورة فيه بلفظ: حَمْد الله، وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النوويّ، وَرَدَت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في مبحث البسملة من "شرح المقدّمة" أن هذا الحديث ضعيفٌ جدًّا، ولا يثبت منه شيء، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

قال: ثم اللفظ، وإن كان عامًّا لكن أريد به الخصوص، وهي الأمور التي تحتاج إلى تقدم الخطبة، وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية، ولا العرفية بابتدائها بذلك، وهو نظير الحديث الذي أخرجه أبو داود، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضًا بلفظ: "كلُّ خطبة ليس فيها شهادة، فهي كاليد الجذماء"، وهو حديث صحيح.

فالابتداء بالحمد، واشتراط التشهد خاصّ بالخطبة، بخلاف بقية الأمور المهمة، فبعضها يُبدأ فيه بالبسملة تامّةً؛ كالمراسلات، وبعضها ببسم الله فقط، كما في أول الجِماع، والذبيحة، وبعضها بلفظ من الذكر مخصوصٍ؛ كالتكبير.

قال: وقد جمعتُ كُتبَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك وغيرهم، فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد، بل بالبسملة، وهو يؤيّد ما قررته، والله أعلم.

ووقع في مرسل سعيد بن المسيِّب عند ابن أبي شيبة: "أن هرقل لما قرأ الكتاب قال: هذا كتاب لم أسمعه بعد سليمان عليه السلام"، كأنه يريد الابتداء بـ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وهذا يؤيِّد ما قدمناه، أنه كان عالِمًا بأخبار أهل الكتاب. انتهى (١).

(مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُول الله) فيه أن السُّنَّة أن يبدأ المرسِل الكتابَ بنفسه، وهو قول الجمهور، بل حَكَى فيه النحاسُ إجماع الصحابة، والحقّ إثبات الخلاف، وفيه أن "مِنْ" التي لابتداء الغاية تأتي من غير الزمان والمكان، كذا قاله أبو حيان، والظاهر أنها هنا أيضًا لم تخرج عن ذلك، لكن بارتكاب مجاز، زاد في حديث دحية: "وعنده ابن أخ له أحمر، أزرق، سبط الرأس. وفيه: لمّا قرأ


(١) "الفتح" ٩/ ٧٣٠.