للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكتاب نَخَرَ (١)، فقال: لا تقرأه، إنه بدأ بنفسه، فقال قيصر: لتقرأنّه، فقرأه"، وقد ذكر البزار في "مسنده" عن دحية الكلبيّ: أنه هو ناول الكتاب لقيصر، ولفظه: "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتابه إلى قيصر، فأعطيته الكتاب" (٢).

وذكر المدائنيّ أن القارئ لما قرأ: "من محمد رسول الله إلى عظيم الروم" غَضِب أخو هرقل، واجتذب الكتاب، فقال له هرقل: ما لك؟ فقال: بدأ بنفسه، وسَمَّاك صاحبَ الروم، فقال هرقل: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟ لئن كان رسول الله إنه لأحقّ أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم"، وأخرج الحسن بن سفيان في "مسنده" من طريق عبد الله بن شداد، عن دحية: "بعثني النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بكتاب إلى هرقل، فقَدِمت عليه، فأعطيته الكتاب، وعنده ابن أخ له أحمر، أزرق، سبط الرأس، فلما قرأ الكتاب نَخَرَ ابن أخيه نَخْرَةً، فقال: لا تقرأ، فقال قيصر: لِمَ؟ قال: لأنه بدأ بنفسه، وقال: صاحب الروم، ولم يقل: ملك الروم، قال: اقرأ، فقرأ الكتاب".

وفي رواية للبخاريّ: "من محمد عبد الله ورسوله"، وفيه إشارة إلى أن رسل الله، وإن كانوا أكرم الخلق على الله، فهم مع ذلك مقرون بأنهم عبيد الله، وكأن فيه إشارةً إلى بطلان ما تدّعيه النصارى في عيسى عليه السلام.

(إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ) بجر "عظيم" على البدليّة، ويجوز الرفع على القطع، والنصب على الاختصاص، والمراد: مَن تُعَظِّمه الروم، وتقدّمه للرياسة عليها، وفيه العدول عن ذكره بالْمُلْك، أو الإمرة؛ لأنه معزول بحكم الإسلام، لكنه لم يُخْلِهِ من إكرام؛ لمصلحة التأليف، وفي حديث دحية: "أن ابن أخي قيصر أنكر أيضًا كونه لم يقل: ملك الروم"، قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "عظيمِ الروم"؛ أي: الذي تعظّمه الروم، وهو مُفاتَحةٌ بخطاب استلطاف، ويقتضي التأنيس، والاستئلاف، مع أنه حقٌّ في نفسه، فإنه كان معظَّمًا في الروم، وكان أعظم ملوكهم (٣).


(١) نخَر ينخْرُ، من بابي ضرب، ونصر: إذا مدّ النفس في الخياشيم.
(٢) "الفتح" ١/ ٨٠.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٠٨.