للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) وفي رواية البخاريّ في "الاستئذان": "السلام" بالتعريف، وقد ذُكِرت في قصة موسى وهارون مع فرعون؛ أي: في قوله تعالى: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: ٤٧]، وظاهر السياق يدلّ على أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه.

قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "سلام على من اتبع الهدى": عدول عن السلام عليه، لأن الكافر لا يُفاتَح بالسلام إلى التعريض له باتباع طريق الهداية، وقد رأى بعض أهل العلم أن السلام على أهل الكفر والبدع هكذا يكون (١).

وقال النوويّ رحمه الله: هذا دليل لمن يقول: لا يُبتدأ الكافر بالسلام، وفي المسألة خلاف، فمذهب الشافعيّ، وجمهور أصحابه، وأكثر العلماء أنه لا يجوز للمسلم أن يبتدئ كافرًا بالسلام، وأجازه كثيرون من السلف، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك، وستأتي في موضعها - إن شاء الله تعالى - وجوّزه آخرون؛ لاستئلاف، أو لحاجة إليه، أو نحو ذلك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بالنهي عن ابتداء الكافر بالسلام هو الحقّ، لصحّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام. . ." الحديث، رواه الترمذيّ وقال: حديث حسنٌ صحيح، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": [فإن قيل]: كيف يُبدأ الكافر بالسلام؟.

[فالجواب]: أن المفسرين قالوا: ليس المراد من هذا التحية، إنما معناه: سَلِمَ من عذاب الله من أسلم، ولهذا جاء بعده: {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: ٤٨]، وكذا جاء في بقية هذا الكتاب: "فإن توليت، فإن عليك إثم الأريسيين".

فمُحَصَّل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدًا، وإن كان اللفظ يُشعر به، لكنه لم يدخل في المراد؛ لأنه ليس ممن اتَّبع الهدى، فلم يُسَلَّم عليه (٣).

(أمّا بَعْدُ) في قوله: "أما" معنى الشرط، وتُستعمل لتفصيل ما يُذكَر بعدها


(١) "المفهم" ٣/ ٦٠٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٠.
(٣) "الفتح" ١/ ٨٠ - ٨١.