للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غالبًا، وقد تَرِدُ مستأنفةً، لا لتفصيل؛ كالتي هنا، وللتفصيل والتقرير، ولفظة "بعدُ" مبنية على الضم، وكان الأصل أن تُفتح لو كانت مضافةً لفظًا، لكنها قُطعت عن الإضافة لفظًا، فبُنيت على الضم.

وقال في "الفتح": قوله: "أما بعدُ" قال: سيبويه: إن معنى "أما بعدُ": مهما يكن من شيء، وكذا كل كلام أوله "أمّا"، وفيه معنى الجزاء، مثل: أما عبد الله فمنطلق، والفاء لازمة في أكثر الكلام، وقد تُحذف، وهو نادر، قال الكرماني: فإن قلت: "أمّا" للتفصيل، فأين القسيم؟ ثم أجاب بأن التقدير: أما الابتداء فهو بسم الله، وأما المكتوب فهو من محمد. . . إلخ، وأما المكتوب به فهو ما ذُكِر في الحديث، وهو توجيه مقبول، لكنه لا يطّرد في كل موضع، ومعناها: الفصل بين الكلامين، واختُلِف في أول من قالها، فقيل: داود عليه السلام، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: كعب بن لؤيّ، وقيل: قُسّ بن ساعدة، وقيل: سحبان، وفي غرائب مالك للدارقطنيّ: أن يعقوب عليه السلام قالها، فإن ثبت، وقلنا: إن قحطان من ذرية إسماعيل، فيعقوب أول من قالها مطلقًا، وإن قلنا: إن قحطان قبل إبراهيم عليه السلام، فيعرب أوّل من قالها، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد استوفيت البحث في "أما بعدُ" في "شرح المقدّمة"، فراجعه، تستفد علْمًا جمًّا، والله تعالى وليّ التوفيق.

(فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ) - بكسر الدال - من قولك: دعا يدعو دِعايةً، نحو شَكَا يَشْكُو شِكَايةً، وفي الرواية التالية هنا: "بداعية الإسلام"؛ أي: بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، والباء بمعنى "إلى".

وقال النوويّ رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أدعوك بدعاية الإسلام": هو بكسر الدال؛ أي: بدعوته، وهي كلمة التوحيد، وقال في الرواية الأخرى التي ذكرها مسلم بعد هذا: "أدعوك بداعية الإسلام"، وهو بمعنى الأولى، ومعناها: الكلمة الداعية إلى الإسلام، قال القاضي عياض: ويجوز أن تكون "داعية" هنا


(١) "الفتح" ٩/ ٧٣١، كتاب "التفسير" رقم (٤٥٥٣).