للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمعنى دعوة، كما في قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: ٥٨]؛ أي: كشف. انتهى (١).

وقوله: (أَسْلِمْ تَسْلَمْ)؛ أي: ادخل في دين الإسلام تسلم في الدنيا من الخزي، وفي الآخرة من العذاب، وهو من التجنيس البديع.

وقال في "الفتح": هو غاية في البلاغ، وفيه نوع من البديع، وهو الجناس الاشتقاقيّ، وفيه بشارة لمن دخل في الإسلام أنه يَسْلَم من الآفات اعتبارًا بأن ذلك لا يختصّ بهرقل، كما أنه لا يختص بالحُكم الآخَر، وهو قوله: "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين"؛ لأن ذلك عامّ في حقّ من كان مؤمنًا بنبيّه، ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

(وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ)؛ أي: باتباعه لدين عيسى عليه السلام، وباتباعه لدين محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبيّ: وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرَّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه، ثم أدرك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فآمن به واتبعه، فله أجران".

قال: وهذا إنما يتحصَّل للكتابيّ إذا كان متبعًا لدين نبيّه من الاعتقاد الصحيح، والعمل على مقتضى شريعته، أما لو اعتقد في عيسى، أو في الله تعالى ما لم تجئ به شريعته، فلا يحصل له أجران إذا أسلم، بل أجر الإسلام خاصّة؛ لأنه لم يكن على شريعة عيسى، ولا على غيرها، فلم يتبعه، فلا يحصل له أجر. انتهى (٢).

ووقع للبخاريّ في الجهاد بلفظ: "أَسْلِم، أَسْلِم يؤتك"، بتكرار "أَسْلِم"، فيَحْتَمِل - كما قال في "الفتح" -: التأكيد، ويَحْتَمِل أن يكون الأمر الأول للدخول في الإسلام، والثاني للدوام عليه، كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية [النساء: ١٣٦]، وهو موافق لقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} الآية [القصص: ٥٤]، وإعطاؤه الأجر مرتين؛ لكونه كان مؤمنًا بنبيّه، ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ويَحْتَمِل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه، ومن جهة أن إسلامه يكون سببًا لدخول أتباعه، وقد تقدّم


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٠٨ - ٦٠٩.