للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: كذا تعقبه شيخنا شيخ الإسلام - يعني: البلقينيّ - والذي يظهر أن مراد النوويّ أنه نبّه بذكر طائفة من الطوائف على بقية الطوائف، كأنه يقول: إذا امتنعت كان عليك إثم كل من امتنِع بامتناعك، وكان يطيع لو أطعت؛ كالفلاحين، فلا وجه للتعقب عليه، نعَم قول أبي عبيد في "كتاب الأموال": ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط، بل المراد به جميع أهل المملكة، إن أراد به على التقرير الذي قررت به كلام النوويّ فلا اعتراض عليه، وإلا فهو معترَض.

وحَكَى أبو عبيد أيضًا: أن الأريسيين هم الْخَوَل والْخَدَم، وهذا أخصّ من الذي قبله، إلا أن يريد بالخوَل ما هو أعمّ بالنسبة إلى من يحكم الملِك عليه.

وحَكَى الأزهريّ أيضًا أن الأريسيين قوم من المجوس، كانوا يعبدون النار، ويُحَرِّمون الزنا، وصناعتهم الحراثة، ويُخرجون العُشر مما يزرعون، لكنهم يأكلون الموقوذة، وهذا أثبت، فمعنى الحديث: فإن عليك مثل إثم الأريسيين، كما تقدم. انتهى (١).

(وَ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}) هكذا وقع بإثبات الواو في أوله، وذكر القاضي عياض أن الواو ساقطة من رواية الأصيليّ، وأبي ذرّ، وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدَّر، معطوف على قوله: "أدعوك"، فالتقدير: أدعوك بدعاية الإسلام، وأقول لك، ولأتباعك امتثالًا لقول الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}، ويَحْتَمِل أن تكون من كلام أبي سفيان؛ لأنه لم يَحفَظ جميع ألفاظ الكتاب، فاستحضر منها أول الكتاب، فذكره، وكذا الآية، وكأنه قال فيه: كان فيه كذا، وكان فيه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}، فالواو من كلامه، لا من نفس الكتاب، وقيل: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ ذلك قبل نزول الآية، فوافق لفظه لفظها لَمّا نزلت، والسبب في هذا أن هذه الآية نزلت في قصة وَفْد نَجْران، وكانت قصتهم سنةَ الوفود، سنةَ تسع من الهجرة، وقصة أبي سفيان كانت قبل ذلك سنة ست، وقيل: بل نزلت سابقةً في أوائل الهجرة، وإليه يومئ كلام ابن إسحاق، وقيل: نزلت في اليهود، وجوّز بعضهم نزولها مرتين، وهو بعيد.


(١) "الفتح" ٧٣٢ - ٧٣٣، كتاب "التفسير" رقم (٤٥٥٣).