للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوضعه على عينيه، ونزل من سريره، فجلس على الأرض تواضعًا، ثم أسلم، وشَهِد شهادة الحقّ، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإجابته، وتصديقه، وإسلامه، على يدي جعفر بن أبي طالب، لله رب العالمين؛ وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسديّ، فتنصر هناك، ومات، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في الكتاب أن يبعث إليه بمن قِبَله من أصحابه، ويحملهم، ففعل، فزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وأصدق عنه أربعمائة دينار، وأمر بجهاز المسلمين وما يصلحهم، وحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمريّ، ودعا بحُقّ من عاج، فجعل فيه كتابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها. انتهى (١).

وقوله: (وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) هكذا نصّ في "صحيح مسلم" على أنه غير النجاشيّ الذي صلى عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين مات، ولكن ذكره الواقديّ وغيره من أهل السير أنه النجاشيّ الذي صلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كتب جوابًا لكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إلى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحمة النجاشيّ: سلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله، وبركاته، فأشهد أنك رسول الله صدوقًا، وقد بايعتك"، نقله الأبيّ في "شرحه" (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما في "صحيح مسلم" لا يُعارَض بما في السِّيَر، ولا سيّما من مثل الواقديّ، فانتبه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: (وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ. . . إلخ): هذا تحرّز من الراوي؛ لئلا يُظَنّ أن النجاشيّ المسمى أصحمة؛ الذي هاجر إليه أصحاب


(١) "الطبقات الكبرى لابن سعد" ١/ ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٢) "شرح الأبيّ" ٥/ ١٠٥.