للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: إنما قَبِل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هدايا كفار أهل الكتاب، ممن كان على النصرانية؛ كالمقوقس، وملوك الشام، فلا معارضة بينه وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نقبل زَبْد المشركين"، وقد أبيح لنا ذبائح أهل الكتاب، ومناكحتهم، بخلاف المشركين، عَبَدَة الأوثان. انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قال أصحابنا: متى أخذ القاضي، أو العامل هدية محرَّمَةً لزمه ردّها إلى مُهديها، فإن لم يعرفه وجب عليه أن يجعلها في بيت المال، والله أعلم. انتهى (٢).

(فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ) بالرفع عطفًا على الفاعل، (وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ) حال مؤكّد لعامله؛ لأن معنى التولّي والإدبار واحد، قال في "الخلاصة":

وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا … فِي نَحْوِ لَا تَعْثُ فِي الأرْضِ مُفْسِدَا

(فَطَفِقَ) - بكسر الفاء، وفتحها -، يقال: طَفِق يفعل كذا، كفَرِحَ، وضَرَبَ طَفْقًا، وطُفُوقًا: إذا واصل الفعلَ، خاصّ بالإثبات، فلا يقال: ما طَفق، ويقال: طفق بمراده: ظَفِرَ، وأطفقه الله به، قاله المجد رحمه الله (٣). والمراد هنا: شَرَع، وأخذ (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ) - بضم الكاف - من باب نصر، قال المجد رحمه الله: الرَّكْضُ: تحريك الرِّجْل، ومنه: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: ٤٢]، والدفعُ، واستحثاث الفرس للعدو، وتحرُّك الْجَنَاح، والْهَرَبُ، ومنه: {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} [الأنبياء: ١٢]، والْعَدْوُ. انتهى (٤).

والمعنى المناسب هنا: استحثاث بغلته. (قِبَلَ) بكسر القاف، وفتح الموحّدة؛ أي: جهة (الْكُفَّارِ) قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة في موطن الحرب، وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضًا يكون مُعْتَمَدًا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فَعَل هذا عمدًا، وإلا فقد كانت له - صلى الله عليه وسلم - أفراس معروفة، ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته - صلى الله عليه وسلم - تقدّمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فَرّ الناس عنه، وفي الرواية


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٤.
(٣) "القاموس المحيط" ص ٨٠٥.
(٤) "القاموس المحيط" ص ٥٢٨.