للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السمرة؛ لتذكيرهم عهدهم الذي عاهدوا به في الحديبية حيث بايعوه فيها على أن لا يفرّوا، ومنهم من بايعه على الموت.

وفي رواية ابن عيينة، عن الزهريّ عند أبي عوانة (١)، وسأذكرها قريبًا: "فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: يا عبّاس نادِ في الناس، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب البقرة، قال سفيان: يذكّرهم البيعة التي بايعوه تحت الشجرة، والشجرة: سمرةٌ بايعوه تحتها على أن لا يفرّوا".

وقال القرطبيّ رحمه الله: "السمرة": هي شجرة الرضوان التي بايع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحتها أصحابه بيعة الرضوان بالحديبية، وكانوا بايعوه على ألا يَفِرُّوا، فلما سمعوا النداء، تذكروا العهد معه، فارتجعوا رجعة واحدة، كرجل واحد، وهم يلبّون النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولسرعة رجعتهم واجتماعهم شبَّههم بعطفة البقر على أولادها، وهذا كله يدل على قربهم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك، وأن انهزامهم لم يكن إلى بُعد، ولا من جميعهم، بل المنهزم إنما كان أكثرهم من أهل مكة والطلقاء، ومن في قلبه مرض، ولذلك كان بعضهم يقول في حال انهزامه: لا يردّهم إلا البحر. انتهى.

وقوله: (فَقَالَ عَبَّاسٌ) كلام مدرج من الراوي، والظاهر أنه كثير بن عبّاس - رضي الله عنهما -، بين "قال" ومقوله، وهو جملة: "فقلت بأعلى صوتي. . . إلخ"، ووقع في "سيرة ابن هشام" ما يدلّ على أنه من كلام العبّاس نفسِه، ونصّه: "قال: وكنت امرأ جسيمًا شديد الصوت". انتهى (٢).

(وَكَانَ رَجُلًا صَيِّتًا) - بفتح الصاد المهملة، وتشديد التحتانيّة -؛ أي: قويّ الصوت، ذَكَر الحازميّ في "المؤتلف" (٣): أن العباس - رضي الله عنه - كان يَقِفُ على سَلْع، فينادي غلمانه في آخر الليل، وهم في "الغابة"، فيُسمعهم، قال: وبين سَلْع والغابة ثمانية أميال (٤).


(١) راجع: "مسند أبي عوانة" ٤/ ٢٧٩.
(٢) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٤٤٤.
(٣) وذكر في هامش النسخة التركيّة ما نصّه: ومرّ في بعض الكتب أن العبّاس كان يزجر السباع عن الغنم، فيفتق مرارة السبع في جوفه، وهذا أغرب مما ذكره النوويّ، والله تعالى أعلم بصحة القصّتين.
(٤) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٥.