للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ) عبّاس - رضي الله عنه - (فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ)؛ أي: رجعتهم إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا)؛ أي: عطفة أمهات البقر وعودتها على أولادها عند حنينها لفقد الأمهات، والمعنى: أن عودتهم إليه - صلى الله عليه وسلم -، وإلى مواقع قتالهم كان كمثل عودة أنثى البقر إلى أولادها عند حنينها إليها.

وفي رواية ابن هشام: قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - حين رأى ما رأى من الناس -: "أين أيها الناس؟ " فلم أَرَ الناس يَلْوُون على شيء، فقال: "يا عباس اصرُخ يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السمرة"، قال: فأجابوا: لبيك، لبيك، قال: فيذهب الرجل لِيَثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه، وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اجتمع إليه منهم مئة، استقبلوا الناس، فاقتتلوا. انتهى (١).

قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدًا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم مَن في قلبه مرض، من مُسْلِمة أهل مكة المؤلَّفة، ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فَجأة، لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورَشْقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم، ممن لم يستقرّ الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء، وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدّم أخفّاؤهم، فلما رَشَقُوهم بالنبل وَلَّوا، فانقلبت أُولاهم على أخراهم، إلى أن أنزل الله تعالى سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن (٢).

(فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ) "يا" هنا قد وَلِيها ما لا يصلح للنداء، وهو "لبيك"، فهي حرف تنبيه، مثل "ألا"، وقيل: هي حرف نداء، والمنادى محذوف؛ أي: يا صاحب الصوت، أو يا رسول الله، والثاني أصوب؛ لأن في


(١) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٤٤٤.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٥ - ١١٦.