للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حين استَعَرت الحربُ، وهي من الكَلِم التي لم يُسْبَق إليها - صلى الله عليه وسلم -، فمنها هذه، ومنها: "مات حتف أنفه"، قالها في فضل من مات في سبيل الله في حديث رواه عنه عبد الله بن عتيك، قال ابن عتيك: وما سمعت هذه الكلمة - يعني: حتف أنفه - من أحد العرب قبله - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين"، قالها لأبي عَزّة الْجُمَحيّ يوم أُحد، ومنها: "لا ينتطح فيها عنزان"، ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا خيل الله اركبي" قالها يوم حنين أيضًا في حديث أخرجه مسلم. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: "الوطيس": قال الأكثرون: هو شبه التنور يُسجر فيه، ويُضرب مثلًا لشدة الحرب التي يُشبه حرّها حرّه، وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه، وقال الأصمعيّ: هي حجارة مدوّرة، إذا حَمِيت لم يَقْدِر أحد يطأ عليها، فيقال: الآن حَمِي الوطيس، وقيل: هو الضرب في الحرب، وقيل: هو الحرب الذي يَطيس الناسَ؛ أي: يَدُقّهم، قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام، وبديعه الذي لم يُسمع من أحد قبل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: و"حَمِيَ": استعَرّ واتّقد، و"الوطيس" موضع وقود النار، واستعاره هنا لشدة الحرب، وهذا نحو قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: ٦٤]، وهذه الاستعارة العجيبة لا يُعرف من تكلم بها قبل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - العرب، ومنه تُلُقّيت فصُيِّرت مَثَلًا في الأمر إذا اشتد، قاله ابن الأعرابيّ، وقال الأصمعيّ: الوطيس: الحجارة المحمَّاة، وعلى هذا فهو جمع وطيسة، وقال أبو عمر المطرّز: هو التنور، وحينئذ لا يكون جمعًا. انتهى (٣).

وقال بعضهم: فيها تورية، فإن وقعة حنين كما ذكره الحمويّ في "معجم البلدان"، وارتضاه الخفاجيّ في "حاشية البيضاويّ" كانت بوادٍ يُسمّى أوطاسًا، وهو من النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد، منقول من جمعِ: وطيس، كيمين وأيمان. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: كون وقعة حنين في أوطاس، وإن قال به بعض


(١) "الروض الأنف" ٧/ ٢٧٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٦.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦١٦ - ٦١٧.