للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فذكره بلفظ "أنا" في الموضعين.

[ثانيها]: أن هذا رَجَز، وليس من أقسام الشعر، وهذا مردود، فإن الرجز من البحور التي أسسها الخليل، ومشى عليها مَنْ بعده، فتنبّه.

[ثالثها]: أنه لا يكون شعرًا حتى يتم قطعةً، وهذه كلمات يسيرة، ولا تسمى شعرًا.

[رابعها]: أنه خرج موزونًا، ولم يَقصِد به الشعر، وهذا أعدل الأجوبة (١).

وقال القاضي عياض: قال المازريّ: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرًا؛ لوقوعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مع قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: ٦٩]، وهذا مذهب الأخفش، واحتَجَّ به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر، وجواب الجليل عن هذا أن الشعر هو ما قُصِد إليه، واعتَمَد الإنسان أن يوقعه موزونًا مُقَفًّى يقصد إلى القافية والرويّ، وقد يقع في ألفاظ العامّة كثير من الألفاظ الموزونة، ولا يقول أحد: إنها شعر، ولا صاحبها شاعر، فإن الجزار يقول في ندائه على اللحم: "لحم الخروف بزبد أمه"، ولا يظنّ بالجزار أنه شاعر، قصد إلى عمل الشعر.

وهكذا الجواب عما وقع في القرآن؛ كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢]، وقوله تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: ١٣]، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرًا؛ لأنه لم تقصد تقفيته، وجعله شعرًا، قال: وقد غَفَل بعض الناس عن هذا القول، فأوقعه ذلك في أن قال الرواية: أنا النبي لا كَذِبَ، بفتح الباء حرصًا منه على أن يَفْسُد الرويّ، فيُستغنى عن الاعتذار، وإنما الرواية بإسكان الباء. انتهى كلام القاضي عياض (٢).

قال النوويّ: وقد قال الإمام أبو القاسم عليّ بن أبي جعفر بن عليّ السعدي الصقليّ المعروف بابن القطاع في كتابه "الشافي في علم القوافي": قد


(١) "الفتح" ٩/ ٤٢٩.
(٢) "إكمال المعلم" ٦/ ١٣١.