[أحدها]: أن هذا قَصَد به السجع لا الشعر، فليس بشعر، قيل: قد قال الأخفش: إن هذا رجز، والرجز ليس من الشعر.
[والثاني]: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصده نظمًا ووزنًا فيكونَ شعرًا، فقد يأتي في الكلام والقرآن ما يتّزن بوزن الشعر وليس بشعر؛ كقوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: ٩٢]، وقوله:{نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}[الصف: ١٣]، وكثيرًا ما يقع للعوام في كلامهم الكلام المقفى الموزون، وليس بشعر، ولا يسمى قائله شاعرًا؛ لأنه لم يقصده، ولا شعر به، والشعر إنما سمي بذلك؛ لأن قائله يشعر به، ويقصده نظمًا، ووزنًا، ورويًا، وقافية، ومعنى.
[والثالث]: على تسليم أن هذا شعر فلا يلزم منه أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عالِمًا بالشعر، ولا شاعرًا؛ فإن التمثّل بالبيت الندر، وإصابة القافيتين من الرجز وغيره؛ لا يوجب أن يكون قائلها عالمًا بالشعر، ولا يسمى شاعرًا باتفاق العقلاء، وأما الذي نفى الله عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فهو العلم بالشعر، وأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه، والاتصاف بقوله، ولم يكن موصوفًا بشيء من ذلك بالاتفاق، ألا ترى أن قريشًا تراوضت فيما يقولون للعرب فيه إذا قدموا عليهم الموسم، فقال بعضهم: نقول: إنه شاعر، فقال أهل الفطنة منهم: والله لتكذبنكم العرب، فإنهم يعرفون أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئًا منها، وما قوله بشعر، وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر، وكان أنيس من أشعر العرب، وهذا الوجه هو المعتمد في الانفصال، والله تعالى أعلم. انتهى (١).
(أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ") إنما انتسب - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله، فكأنها لشهرة عبد المطلب بين الناس؛ لِمَا رُزق من نباهة الذكر، وطول العمر، بخلاف عبد الله، فإنه مات شابًّا، ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب، كما قال ضمام بن ثعلبة لَمّا قَدِم: "أَيُّكُم ابن عبد المطلب؟ "، وقيل: لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله، ويهدي الله الخلقَ على يديه، ويكون خاتم