للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأنبياء، فانتسب إليه؛ ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديمًا لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة، وأراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تنبيه أصحابه بأنه لا بُدّ من ظهوره، وأن العاقبة له؛ لِتَقْوَى قُلوبُهُم إذا عرفوا أنه ثابتٌ، غير منهزم. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: [فإن قيل]: كيف قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنا ابن عبد المطلب"، فانتسب إلى جده دون أبيه، وافتخر بذلك، مع أن الافتخار في حقّ أكثر الناس من عمل الجاهلية؟.

[فالجواب]: أنه - صلى الله عليه وسلم - كانت شهرته بجده أكثر؛ لأن أباه عبد الله تُوُفّي شابًّا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد الله، وكان عبد المطلب مشهورًا شهرة ظاهرة شائعةً، وكان سيد أهل مكة، وكان كثيرٌ من الناس يدعون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ابنَ عبد المطلب، ينسبونه إلى جدّه؛ لشهرته، ومنه حديث ضمام بن ثعلبة في قوله: "أيكم ابن عبد المطلب؟ "، وقد كان مشتهرًا عندهم أن عبد المطلب بَشَّر بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه سيظهر، وسيكون شأنه عظيمًا، وكان قد أخبره بذلك سيف بن ذي يزن، وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدلّ على ظهور النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك مشهورًا عندهم، فأراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنه - صلى الله عليه وسلم - لا بُدّ من ظهوره على الأعداء وأن العاقبة له؛ لتَقْوَى نفوسهم، وأعلمهم أيضًا بأنه ثابت ملازم للحرب، لم يُوَلِّ مع من وَلَّى، وعرّفهم موضعه، ليرجع إليه الراجعون، والله أعلم. انتهى (٢).

(ثُمَّ صَفَّهُمْ)؛ أي: ثمّ بعد أن نزل عن بغلته، واستنصر ربّه صفّ أصحابه؛ أي: جعلهم مصطفّين للقتال، فقاتلوا الكفّار، فهزمهم الله تعالى، كما أخبر الله عز وجل بذلك حيث قال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦)} [التوبة: ٢٥، ٢٦]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الفتح" ٩/ ٤٢٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١٩ - ١٢٠.