للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيحتمل نفيه أيضًا، إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهمّ، كما في معظم الأحاديث، لا إن قُيِّدت بالتصميم، كما في حديث خُرَيم - رضي الله عنه -، ويؤيد الأول حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - عند المصنّف أنّ الكفّ عن الشر صدقة (١).

(كَتَبَهَا اللهُ) زاد في رواية البخاري: "له" أي للذي هَمّ بالحسنة، ومعنى: "كتبها الله": أي أمر الْحَفَظَةَ بكتابتها، بدليل ما سبق في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "إذا هَمَّ عبدي بسيئة، فلا تكتبوها عليه".

(عِنْدَهُ) أي عند الله تعالى (حَسَنَةً) مفعول ثان لـ"كتبها"، بمعنى صيّرها (٢) (كَامِلَةً) كذا ثبت في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - دون حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وغيره وَصْفُ الحسنة بكونها كاملةً، وكذا قوله: "عنده"، وفيهما نوعان من التأكيد، فأما العندية فإشارة إلى الشرف، وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها؛ لكونها نشأت عن الهمّ المجرد، فكأنه قيل: بل هي كاملةٌ، لا نقص فيها.

وقال النووي في "أربعينه": فانظر يا أخي - وفّقني الله وإياك - إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ،، وقوله: "عنده" إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله: "كاملةً" للتأكيد، وشدّة الاعتناء بها، وقال في السيئة التي هَمّ بها، ثم تركها: "كتبها الله عنده حسنةً كاملةً"، فأكّدها بـ "كاملةً"، وإن عملها كتبها سيئة واحدةً"، فأكَّد تقليلها بـ "واحدةً"، ولم يؤكّدها بـ "كاملةً"، فلله الحمد والمنّة، لا نُحصي ثناءً عليه، وبالله التوفيق (٣).

وقال الطيبيّ: إنما جوزي من هَمّ بسيّئة، ولم يعملها بحسنة كاملة؛ لأنه خاف مقام ربّه، ونَهَى النفس عن الهوى. انتهى (٤).


(١) هو ما تقدّم للمصنف برقم (٨٤) من حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله"، قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا"، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق"، قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تَكُفُّ شرّك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".
(٢) "الكاشف" ٦/ ١٨٦٧.
(٣) "الأربعين" للنوويّ ص ٧٨.
(٤) "الكاشف" ٦/ ١٨٦٧.