للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطوفيّ: إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة؛ لأن إرادة الخير سبب إلى العمل، وإرادة الخير خير؛ لأن إرادة الخير من عمل القلب.

واستُشكِل بأنه إذا كان كذلك، فكيف لا تضاعف؟ لعموم قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]؟.

وأُجيب بحمل الآية على عمل الجوارح، والحديث على الهمّ المجرد.

واستُشكِل أيضًا بأن عمل القلب إذا اعتُبِرَ في حصول الحسنة، فكيف لم يعتبر في حصول السيئة؟.

وأجِيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهمّ بها يُكَفِّرها؛ لأنه قد نَسَخَ قصدَهُ السيئة، وخالف هواه.

ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك، سواءٌ كان ذلك لمانع أم لا، ويتجه أن يقال: يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع، فإن كان خارجيًّا مع بقاء قصد الذي هَمَّ بفعل الحسنة، فهي عظيمة القدر، ولا سيما إن قارنها نَدَم على تفويتها، واستمرت النية على فعلها عند القدرة، وإن كان الترك من الذي هَمَّ مِن قِبَل نفسه، فهي دون ذلك، إلا إن قارنها قصدُ الإعراض عنها جملةً، والرغبة عن فعلها، ولا سيما إن وَقَعَ العمل في عكسها، كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلًا، فصرفه بعينه في معصية، فالذي يظهر في الأخير أن لا تُكْتَب له حسنة أصلًا، وأما ما قبله فعلى الاحتمال.

(وَإِنْ هَمَّ بِهَا) أي بالحسنة (فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ - عزَّوجلْ -) زاد البخاريّ: "له" (عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ) قال الحافظ: يؤخذ منه رفعُ توهم أن حسنةَ الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف، فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم، ولفظه: "فإن عملها، كُتبت له عشر أمثالها"، وكذا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي بعض طرقه احتمال، ورواية عبد الوارث في الباب ظاهرة فيما قلته، وهو المعتمد. انتهى كلامه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا عزا الحافظ في "الفتح" رواية جعفر بن سليمان إلى مسلم، وأنه ساق بلفظ: "فإن عملها كتبت له عشر أمثالها"، وليس كذلك، فإن مسلمًا إنما أخرج سند جعفر بن سليمان، وأحال متنه على متن عبد الوارث، فقال: "بمعنى حديث عبد الوارث، وزاد: