للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قرُب من قومه ودارهم، وقد كان معه هناك المهاجرون أيضًا، يُحيطون به. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: إنما خصّ الأنصار؛ لثقته بهم، ورفعًا لمراتبهم، وإظهارًا لجلالتهم، وخصوصيّتهم. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ونداؤه - صلى الله عليه وسلم - للأنصار خاصة، إما لأنَّ المهاجرين كانوا حضورًا معه، فلم يحتج إلى ندائهم، وإما ليُظْهِر لهم شدّة اعتنائه بهم، وتعويله عليهم، قال: ويظهر لي أن اختصاصه بالأنصار في هذا الموضع، وقولَهُ: "لا يأتيني إلا أنصاريٌّ"، كما جاء في الرواية الأخرى، إنما كان لأنه وصَّاهم بقتل مَن تَعَرَّض لهم من قريش؛ إذ لا قرابة، ولا رَحِمَ بينهم، فلا موجب للعطف عليهم، بخلاف المهاجرين؛ فإن بينهم قرابات، وأرحامًا، فلا جَرَم لمّا سمعت الأنصار أمْره مَضَوْا لذلك، فلم يتعرض لهم أحد إلا أناموه؛ أي: قتلوه، فصيّروه كالنائم، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(قَالَ) أبو هريرة: (فَأَطَافُوا بِهِ)؛ أي: أحاط الأنصار بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال القاضي عياض - رحمه الله -: قوله: "لا يأتيني إلا أنصاريّ" ثقة منه بهم، وليستمع إليهم، وتقريبًا لهم لمّا قرُب من داره وقومه، وقد كان معه المهاجرون أيضًا يحيطون به، كما كان في كتيبته، وإنما أراد: لا يأتيني مَا قابل العرب النافرين معه - والله أعلم - غير الأنصار، وهذا يجمع بين ما جاء في "صحيح البخاريّ" من أن كتيبة الأنصار كانت مع سعد بن عبادة، وأن كتيبة المهاجرين مع الزبير، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعض ما جاء في "السَّيَر" أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان في كتيبة من المهاجرين والأنصار، فيدلّ ما في "صحيح مسلم" أنَّه دعا الأنصار، فجمعهم بعد افتراقهم، وأنه فرّقهم بعد هذا الاجتماع بذي طوى على ما جاء في "السِّيَر"، فوجّه بعضهم من أسفلها، وبعضهم من أعلاها، والله تعالى أعلم (٤).


(١) "تلخيص سنن أبي داود" للمنذريّ ٤/ ٢٤٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٢٧.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٢٩.
(٤) "إكمال المعلم" ٦/ ١٣٩ - ١٤٠.