للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَوَبَّشَتْ) بتشديد الباء الموحّدة؛ أي: جمعت (قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا)؛ أي: جموعًا من قبائل شتّى، ويقال: هم أوباش، وأوشاب بمعنى واحد، ذكره عياض - رحمه الله - (١)، وقال المجد: الْوَبَشُ بالتحريك: واحد الأوباش، وهم الأخلاط، والسَّفِلَةُ. انتهى (٢). (وَأَتْبَاعًا، فَقَالُوا)؛ أي: قالت قريشٌ فيما بينهم، (نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ) الأوباش والأتباع إلى المسلمين؛ ليقاتلوهم (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ) من النصر والغلبة (كُنَّا مَعَهُمْ)؛ أي: ننضمّ إليهم، ونقاتل المسلمين معهم، (وَإِنْ أُصِيبُوا)؛ أي: أصابهم المسلمون، وانتصروا عليهم (أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا) بالبناء للمفعول؛ أي: انقدنا، وخضعنا للمسلمين، وأعطيناهم ما طلبوا منّا، من مال أو غيره.

وحاصل المعنى: أنهم قالوا: إن ثبت هؤلاء الأوباش، والأتباع على قتال المسلمين، وقرُب انتصارهم عليهم لَحِقْنا بهم، وقاتلنا معهم حتى يضاف النصر والغلبة إلينا، وإن انهزم هؤلاء أعطينا المسلمين ما يريدون منّا من الاستسلام، أو الجزية، أو الفدية، ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) للأنصار ("تَرَوْنَ) بتقدير أداة الاستفهام؛ أي: أترون (إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ؟ "، ثُمَّ قَالَ)؛ أي: أشار - صلى الله عليه وسلم -، ففيه إطلاق القول على الفعل، (بِيَدَيْهِ) الشريفتين، وقوله: (إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى) جملة حاليّة؛ أي: والحال أن إحدى يدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - موضوعة فوق الأخرى، والموضوعة هي اليمنى، والموضوعة عليها هي اليسرى، وهذا كناية قتلهم، وذبحهم، وقد أوضح ذلك في الرواية الثالثة حيث قال: "فقال: يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟، قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غدًا أن تحصدوهم حَصْدًا، وأحفى بيده (٣)، ووضع يمينه على شماله". (ثُمَّ) بعد أن أشار إليهم


(١) "إكمال المعلم" ٦/ ١٤٠.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١٣٧٧.
(٣) قوله: "وأحفى" صحيح الرواية - كما قال القرطبيّ - بالحاء المهملة؛ أي: استأصل، وبعضهم رواه: "وأكفى" بالكاف؛ أي: أمال بيده، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - وضع يمينه على شماله أمرّها عليها مشيرًا إلى الاستئصال، ووقع في بعض النسخ بلفظ: "وأخفى" بالخاء المعجمة، وليس بواضح المعنى، فتأمل، والله تعالى أعلم.